• ناخب تركي يدلي بصوته
    ناخب تركي يدلي بصوته

القاهرة في 17 أبريل /أ ش أ/ كتب: علي قطب – منتدي الشرق الأوسط للحوار
أنهي الناخبون الأتراك أمس /الأحد/ حقبة القرن العشرين التي ظلت تسيطر على الساحة السياسية لنحو قرن من الزمان منذ تأسيس الجمهورية عام 1923 على يد مصطفي كمال (أتاتورك)، وولادة الجمهورية الثانية ونهاية جمهورية أتاتورك كما عهدها الأتراك، بعدما صوتوا لصالح التعديلات الدستورية التي تقدم بها حزب العدالة والتنمية الحاكم لتبدأ معها تركيا فصلا جديدة، يقول مؤيدو التعديلات إنها ستفتح أفاقا جديدة لجعل تركيا أكثر تقدما وأكثر ازدهارا.
ونشأت تركيا على أنقاض الإمبراطورية العثمانية خلال فترة ما بين الحربين العالميتين كدولة علمانية حديثة على يد مصطفي كمال اتاتورك عام 1923.
فمنذ إعلان الجمهورية التركية كانت رؤية أتاتورك تعتمد على تحويل أطلال الامبراطورية العثمانية متعددة الثقافات إلى دولة قومية علمانية قوية يحميها الجيش، وقد تم تأسيس الجمهورية التركية على المبدأين اللذين أرساهما وهما القومية والعلمانية. وكرئيس لتركيا، أمر أتاتورك بسلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لتحويل تركيا إلى جمهورية على الطراز الأوروبي.
وبحسب النتائج غير الرسمية للتصويت، والتي كانت نسبة المشاركة فيها عالية، ووصلت إلى 88 في المائة، تقدمت الجبهة المؤيدة للتعديلات الدستورية بنسبة 3ر51%، مقابل حصول الجبهة الرافضة للتعديلات على 7ر48%، وكانت النتيجة النهائية بالموافقة في 48 ولاية، والرفض في 31 ولاية أخرى.
فهذه النتائج المتقاربة تفتح الباب نحو سجال جديد، وتمثل خير انعكاس للانقسام الحاد في الشارع التركي بين من يؤيدون هذه التعديلات باعتبارها تنهي أزمة النظام ذي الرأسين، التي تعيق تقدم البلاد بحسب رأيهم، وبين معارضين لها باعتبارها تسير بالبلاد نحو المزيد من الاستبداد والدكتاتورية التي رسخها حزب العدالة والتنمية كما يقولون.
لكن المؤكد أنه رغم أن هذه النسبة، التي تعتبر كافية لتمرير التعديلات الدستورية (الحصول على النصف زائد واحد أمر كاف لتمرير التعديلات الدستورية)، إلا أنها تعد "انتصارا بطعم الهزيمة" فحزب العدالة والتنمية رغم أنه لم يكن يتوقع أكثر من ذلك، لكن كانت لديه آمال بحدوث مفاجآت تسهم في رفع النسبة، لكنها لم تحصل، الأمر الذي سيدفع تركيا للدخول في مفترق طرق نتيجة تقارب نسبة المشاركين في الاستفتاء.
وبالرغم من أن أتاتورك أسس تركيا باعتبارها جمهورية برلمانية، فإنها كانت عمليا حكومة حزب واحد، فقد هيمن حزب الشعب الجمهوري التابع لأتاتورك على المشهد السياسي التركي، وعندما أصبحت أحزاب المعارضة تمثل تهديدا قام بإغلاقها. وفي تنفيذ أفكاره المثالية، اعتمد أتاتورك إلى حد بعيد على الجيش وخلال الفترة العثمانية، كان الجيش ومدارسه العلمانية أكثر المؤسسات العثمانية ميلا للغرب. وفي ذلك السياق، كان ينظر للضباط باعتبارهم إصلاحيين بامتياز.
ولم يكن الجيش يساعد فقط على بدء الإصلاحات المتعلقة بالحداثة، ولكنه كان مطلوبا منه أيضا أن يحميها وأن يقوم بدور الحارس الأوحد للجمهورية.
ولم يفقد حزب الشعب الجمهوري احتكاره للسلطة حتى عام 1950، وذلك عندما وصل الحزب الديمقراطي إلى السلطة في أولى محاولات السياسة متعددة الأحزاب. ومثل ذلك فجر عصر جديد في السياسة التركية والتي سوف تشهد انتشار الأحزاب السياسية والانتخابات المفتوحة. ومع ذلك فإن التحول من حكم الفرد إلى الدولة متعددة الأحزاب لم يكن سهلا، وفي الفترة بين 1950 و1980 أدى الجمود السياسي إلى ثلاثة انقلابات عسكرية.
لكن في كل من تلك الانقلابات، سرعان ما كان الجيش التركي يعيد الحكومة المدنية. وذلك للحفاظ على أفكار كمال أتاتورك التي كانت تؤكد على فصل الجيش عن السياسة للحفاظ على مهنيته ووضعه كحارس أوحد للجمهورية. وخلال تلك السنوات العاصفة، عكس الانقسام السياسي الأساسي ديناميكات الحرب الباردة في كل مكان في العالم. وعلى الرغم من ان الإسلاميين والأكراد كانوا غير راضين عن الهوية العلمانية والقومية لتركيا، تراجعت تلك الاتجاهات أمام سياسة الحرب الباردة. فكانت الحركة الإسلامية تؤيد اليمين المناهض للشيوعية فيما أصبح الأكراد جزءا من اليسار الاجتماعي.
وبنظرة إلى الوراء قليلا، يبدو أن أردوغان لم يلزم نفسه بشكل يمقراطي من الحكم. فالإصلاحات التي أجراها خلال التسعة أعوام الأولى من فترة حكمه كان سببها إلى حد كبير متطلبات الإتحاد الأوروبي من أية دولة تسعى إلى عضوية الإتحاد والتي استغلها كوسيلة لدفع نفسه نحو هدفه النهائي.
ويري الخبراء أن أردوغان كان يعتبر أتاتورك قدوته يشترك كلاهما بسمات وصفات شخصية مماثلة حيث إنهما سعيا لقيادة البلد بقبضة حديدية في حين كانا يتجاهلان أي فصل للسلطات. ولكن أتاتورك كان، مصمما على تأسيس دولة ديمقراطية علمانية على الطراز الغربي، في حين ذهب أردوغان في الإتجاه العكسي.
وقالوا إن أردوغان تحرك بثبات لإنشاء حكومة تسيطر عليها التقاليد والقيم الإسلامية، في حين يتخذ لنفسه صورة أتاتورك الموقرة من معظم الأتراك. ويقدم أردوغان نفسه على أنه من يقود البلاد بتصميم وهدف، مولدا سلطة وصلاحيات من الدعم الشعبي له، وساعيا في نهاية المطاف إلى أن يحل محل أتاتورك. وبالتعديلات الجديدة على الدستور سيتم منحه سلطات وصلاحيات حتى أكبر من تلك التي كانت في يد أتاتورك.
ومع نمو شعبيته والتقدم الإقتصادي المثير للإعجاب، إحتل أردوغان بنجاح مكانة القائد القوي والحازم، أي "أب" الجمهورية التركية العصرية، وتوغل بذكاء ودهاء في وعي ووجدان الشعب التركي، وهو مصمم أن يكون رئيسا لدولة قوية تكون من ضمن أكبر الإقتصاديات العشرة في العالم ويمتد نفوذها شرقا وغربا أقرب إلى النفوذ المذهل الذي كانت تتمتع به الإمبراطورية العثمانية.
وقد أعطته الفترة ما بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في شهر في يوليو 2016 الذخيرة المطلوبة للقيام بمطاردة ما سماهم "العملاء وأعداء الدولة" على نطاق واسع من المجتمع موفرة له المبرر للتخلص من عشرات الآلاف من الأشخاص الأكاديميين والرموز في المجتمع المدني والقضاء والجيش والأمن الداخلي، الأمر الذي سمح له ببسط سيطرته الكاملة على جميع الدوائر في الحكومة وفي القطاع الخاص. وقد وصف قيامه بهذا التطهير على أنه شر لا بد منه لتنظيف المجتمع من "السرطان" الذي استشرى في البلاد.
وقد ضمن بفعله هذا بأن يدور النظام السياسي حول الرئاسة تاركة إياه بدون منازع تماما لمتابعة حلمه الإمبراطوري لإعادة إحياء مكانة الإمبراطورية العثمانية، ضاربا بعرض الحائط كل قيم الديمقراطية والعدالة التي طالما تغنى بها، وكال الاتهامات لكل من يراهم أعداء في المنطقة، مؤسسا لنهج جديد من التسلط، ربما يفتح ابوابا من الصراع الداخلي، وابوابا أخرى من العداء مع أوروبا، التي اغلق أبواب الحوار معها.

ع م ق
أ ش أ