القاهرة في 13 يناير /أ ش أ/ الاقتصادية
أكد اللواء محمد إبراهيم الدويري نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية ضرورة أن يظل المواطن واثقاً في قيادته السياسية وداعماً لها ويؤمن أنها لا تدخر جهداً في دفع الدولة إلى الأمام من خلال منظومة عمل متكاملة.. مشددا على أن الدولة المصرية لم ولن تتهرب من مسئولياتها المنوطة بها وتفعل كل ما بوسعها لإرضاء المواطن في ظل ظروف استثنائية صعبة للغاية.
وقال اللواء محمد إبراهيم - في مقال بعنوان "الدولة المصرية العظيمة.. ملاحظات ومتطلبات" نشره موقع المركز المصري للفكر اليوم /الجمعة/ - إن مصر مثلها مثل أية دولة في العالم يمكن أن تتعرض إلى أزمات سياسية أو اقتصادية أو أمنية أو غيرها من الأزمات وهذا يعد أمراً طبيعياً في حياة الدول، إلا أن التاريخ القديم والحديث يؤكد على أن مصر تغلبت بل وقهرت كافة الصعاب والأزمات التي تعرضت لها، وهنا أشير إلى مثالين معاصرين فقط المثال الأول وهو حرب 1973 المجيدة التي أعادت الكرامة العربية وأدت إلى تحرير سيناء كلها من الاحتلال الإسرائيلي عقب مرور ست سنوات فقط على نكسة 67، والمثال الثاني النجاح في القضاء على الإرهاب الذي عانت منه مصر منذ عام 2011 ولعدة سنوات وهو أيضاً إنجاز غير مسبوق حيث لم يكن يتسنى لأي منا أن يعيش بسلام في دولة كانت تشهد عمليات إرهابية متتالية، ولابد أن أذكر في هذا المجال أن تكلفة مكافحة الإرهاب في سنوات قليلة كلفت مصر أكثر من 400 مليار جنيه، بالإضافة إلى آلاف الشهداء والمصابين.
وشدد على أن مصر بدأت منذ ثمان سنوات مرحلة جديدة تماماً من تحديث الدولة وتنفيذ مشروع تنمية ونهضة شاملة متكاملة في جميع المجالات، ولا يمكن لأحد أن ينكر الإنجازات التي تحققت لاسيما وأنها شملت جميع أنحاء الدولة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها وهو ما استدعى تدبير نفقات كبيرة من أجل التحرك بنجاح في هذا المسار التنموي الذي كان لابد منه ولابد أيضاً من استكماله حتى تعود مصر إلى المكانة التي تستحقها.
وأضاف قائلا "لدينا بفضل الله قيادة سياسية وطنية تعمل ليل نهار وتسابق الزمن وتتحرك داخلياً وخارجياً وتحظى باحترام العالم، وتؤمن تماماً أن ظهيرها الرئيسي هو الشعب المصري العظيم ولا تترك مناسبة إلا وتؤكد خلالها أن المواطن هو من تحمل فاتورة الإصلاح الاقتصادي، وأن مسار التنمية مهما تكلف من نفقات سوف يصب في النهاية في صالح المواطن والوطن، ولابد لي أن أشير هنا إلى أن القيادة السياسية ركزت بقوة على مشروع التنمية وكانت واعية تماماً لعدم التورط في أية عمليات أو مغامرات عسكرية كان يمكن أن تدخل البلاد في دوامة لن تخرج منها".
وأوضح إبراهيم أن الأوضاع التي مر بها العالم خلال العامين الماضيين سواء جائحة "كورونا" أو الحرب (الروسية/ الأوكرانية) كان لها العديد من التأثيرات السلبية على مستوى العالم كله ولم تنجو منها الدول الكبرى المتقدمة وتعانى منها حتى يومنا هذا ومن بينها ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، وبالتالي فمن الطبيعي أن تتأثر مصر بهذه الأحداث ولاسيما في الجانب الاقتصادي الذي نعتمد في جزء كبير منه على العالم الخارجي، وهنا أود أن أؤكد على أن مصر لم تكن هي المسئولة عن هذه الأحداث بل كانت واحدة من الدول التى يمكن توصيفها - مجازاً - بأنها كانت أحد ضحايا هذه الأحداث.
ونوه إلى أن الدولة المصرية لم تقف موقف المتفرج أو المراقب في مواجهة هذه الأزمات، ولكنها تحركت بقدر استطاعتها وبشكل متسارع من أجل الحد من السلبيات المترتبة عليها من خلال تكثيف برامج الحماية الاجتماعية بكافة جوانبها سواء قامت بها الدولة بشكل رئيسي أو بمساعدة من التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي أو من القطاع الخاص، ومن الضرورة أن أشير هنا إلى نجاح الدولة بامتياز في مواجهة جائحة "كورونا"، وأرجو أن يكون هذا النجاح نموذجاً في كيفية مواجهة الأزمات.
وذكر أن لجوء مصر إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي لم يكن الخيار الأسهل للدولة المصرية ولكن كانت هناك ضرورة للسير في هذا المجال من أجل دعم الاقتصاد وتنفيذ مشروع التنمية واكتساب ثقة المجتمع الدولي والمستثمرين وتوجيه رسالة دولية للعالم بأن مصر دولة مستقرة اقتصادياً، وفي هذا المجال من المهم التأكيد على أن مصر لم تتأخر يوماً عن الوفاء بالتزاماتها وتسديد الديون في توقيتاتها المحددة وهو الأمر الذي دفع الصندوق إلى التجاوب مع المتطلبات المصرية، ويجب ألا يغيب عن بالنا أن هناك دولاً كثيرة على مستوى العالم تقترض من الصندوق وبعضها أفضل اقتصادياً من مصر، كما أن مصر تعد إحدى الدول المساهمة في هذا الصندوق منذ إنشائه في منتصف الأربعينيات وتتعامل معه منذ ثمانينات القرن الماضي.
وقال إنه من الطبيعي أن تكون هناك بعض المطالب من صندوق النقد الدولي من أجل التأكد من أن برامج الإصلاح الاقتصادي وبرامج الحماية الاجتماعية تسير في مصر على قدم وساق، وأن يضمن الصندوق في نفس الوقت قدرة الدولة المصرية على تسديد الديون وهو أمر طبيعي يتم مع جميع الدول التي تقترض منه، وهنا من المهم الإشارة إلى أن البيان الذي نشره الصندوق منذ عدة أيام أكد أن الاقتصاد المصري سوف يشهد تحسناً ملحوظاً خلال الفترة المقبلة خاصة بالنسبة لانخفاض معدل التضخم وزيادة معدلات التنمية.
وتابع أن مصر تحاول وتعمل وتجتهد بقدر الإمكان حتى تجد بعض الحلول من أجل أن تدعم اقتصادها سواء من خلال اكتشافات الغاز وأن تكون مركزاً إقليمياً للطاقة وزيادة صادراتها من الغاز، بالإضافة إلى محاولة دعم الصناعات الوطنية والصادرات؛ بهدف توفير العملة الصعبة التي تدفعها الدولة لاستيراد العديد من السلع الأساسية.
وذكر أن الحكومة المصرية إدراكاً منها لطبيعة الأزمة الحالية أصدرت منذ يومين مجموعة من القرارات الهامة لترشيد الإنفاق العام من بينها بل وأبرزها تأجيل تنفيذ أية مشروعات لم يتم البدء فيها وتم رصد قيمة دولارية لها، وكذا تأجيل الصرف على أية احتياجات لا تحمل طبيعة الضرورة القصوى، وفي التقدير أن تكون هناك قرارات أخرى يمكن أن تتخذ في هذا الشأن إذا ما استدعت الضرورة ذلك.
وأضاف "أننا لا يمكن أن نتحدث عن الدولة المصرية المستقرة في إقليم مضطرب مثل منطقة الشرق الأوسط دون أن يكون لدينا جيش قوى مزود بأحدث الأسلحة وقادر على حماية الأمن القومي المصري في كل وقت في الداخل والخارج، وهو الأمر الذي نجحت القيادة السياسية في إنجازه وأصبح الجيش المصري مصنفاً في ترتيب متقدم على مستوى العالم".
وتابع "إذن نحن حالياً أمام أزمة شديدة الوضوح وذات أضلاع ثلاثة الضلع الأول يتمثل في تلك الأزمات العالمية التي شهدناها مؤخراً وما زالت مرشحة للتصاعد في المرحلة المقبلة، والضلع الثاني الدولة المصرية والجهود المضنية التي تبذلها من أجل مواجهة هذه الأزمات حتى وإن كانت غير كافية تماماً، أما الضلع الثالث فهو المواطن المصري وتأثير هذه الأزمة على محاولاته لتوفير احتياجاته الأساسية.. وبالتالي ففي ظل هذه الظروف لابد لي أن أشير إلى مجموعة من المتطلبات الرئيسية التي قد يكون من المناسب النظر فيها خلال المرحلة المقبلة من أجل تحجيم هذه التأثيرات المتصاعدة".
فعلى مستوى الدولة، أكد إبراهيم على ضرورة مواصلة برامج الحماية الاجتماعية وزيادتها مهما تكلفت من نفقات حتى يتم توفير الاحتياجات الأساسية للمواطن بأقل الأسعار الممكنة أو حتى بصورة مجانية للفئات الأكثر احتياجاً، وأعتقد أن الدولة ومؤسساتها قادرة على الوصول إلى كافة الأسر المصرية في كل أنحاء مصر، ويمكن في هذا المجال الاستعانة بالتحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي ومشروع حياة كريمة وكبار رجال الأعمال الذين أطالبهم بدور أكبر في هذا الشأن.
وشدد على أهمية قيام الدولة من فترة لأخرى بتوضيح كافة الأوضاع التي تمر بها حتى يكون المواطن المصري على بينة مما يحدث ويصبح مطمئناً على حاضره ومستقبله وحتى يكون أيضاً على استعداد لتحمل الصعاب، ولا يجب أن ننسى هنا أن المواطن المصري كان سبباً رئيسياً في النجاح في مواجهة الإرهاب وأيضاً في تحمل آثار برامج الإصلاح الاقتصادي، ومن المؤكد أن المواطن المصري سوف يدعم كل جهود ومطالب الدولة ما دامت الأمور واضحة بالنسبة له، وسوف يكون ذلك تحصيناً له في مواجهة الفضائيات الخارجية الهدامة والشائعات التي لا تنتهى، كما أن ذلك سوف يساهم في مد جسور الثقة بين الدولة والمواطن وحتى لا يتشكك في أي قرار تتخذه الدولة حتى لو كان في مصلحته دون أن يحاول معرفة الحقيقة.
وأشار إلى إمكانية القيام بعملية مراجعة للأولويات كل فترة حتى يمكن التحرك في المجالات الأكثر أهمية وحيوية التي تحظى بالفعل باهتمامات الدولة وخاصة في مجال توطين الصناعة وجذب الاستثمارات الخارجية ودعم الإنتاج، وهنا لابد أن أشير إلى أن قرارات الحكومة الأخيرة بترشيد الإنفاق العام تسير في هذا الاتجاه الصحيح، حيث إن الدولة يجب أن تكون هي القدوة للمواطن وأن يشعر أنها دائماً قريبة من همومه.
ونوه إلى ضرورة قيام الجهات الرقابية المسئولة بتنفيذ كافة الإجراءات الحازمة والحاسمة من أجل ضبط الأسعار في الأسواق حتى لو كانت إجراءات متشددة أو استثنائية، فليس من المنطق أن تترك الدولة نفسها أو تترك المواطن فريسة لجشع بعض التجار الذين أعتبرهم خارجين عن القانون بل وأنهم ينتمون إلى تلك الجماعات التي تريد تخريب الدولة.
وأكد أنه يجب على الدولة ألا تترك المواطن في مهب رياح متطلبات سوق العرض والطلب، لأن الدولة تمثل في النهاية الغطاء الآمن للمواطن، وأنا على يقين بأن الدولة سوف تتدخل في كل توقيت تراه ضرورياً لهذا التدخل.
ولفت إلى أهمية الإسراع خلال أقرب وقت ممكن في بدء جلسات الحوار الوطني الذي أنهى كل الإجراءات التنظيمية المتعلقة بترتيبات انعقاده، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الحوار سوف يبحث ضمن محاوره الثلاثة كافة القضايا الاقتصادية التي تهم الدولة والمواطن وقد تكون هناك بعض الأفكار المطروحة في هذا الصدد التي قد تستفيد بها الدولة بل ويمكن أن تقوم بتنفيذها ما دامت تصب في الصالح العام.
وعلى مستوى المواطن المصري، نوه اللواء محمد إبراهيم إلى أهمية أن يعلم المواطن المصري أن الدولة تمر بأزمة اقتصادية أطاحت باقتصاديات دول أوروبية متقدمة، وأن الدولة تحاول قدر استطاعتها أن تتعامل بشكل إيجابي مع هذه الأزمة ولم تقصر يوماً في أداء مسئوليتها.
وأكد إبراهيم على ضرورة أن يظل المواطن واثقاً في قيادته السياسية وداعماً لها ويؤمن أنها لا تدخر جهداً في دفع الدولة إلى الأمام من خلال منظومة عمل متكاملة، وفي هذا الشأن فإن المواطن المصري يعلم مدى وطنية الرئيس عبد الفتاح السيسي والتضحيات التي قدمها والجهود التي يبذلها، ولذا فإن آمال وطموحات ومطالب هذا المواطن سوف تظل مرتبطة ارتباطاً وثيقاً وفى كل وقت بشخص الرئيس.
وأبرز أهمية أن يؤمن المواطن أنه العنصر الرئيسي في استقرار الدولة وأن أية مظاهر توتر سوف تنهي كافة الإنجازات التي تحققت مؤخراً وتعيد الدولة إلى فترة سوداء عانى منها الجميع وسوف تكون وبالاً على حاضر ومستقبل الدولة كلها، كما أنه على المواطن أن يعلم أنه هو الظهير الرئيسي لقيادته السياسية التي تثق فيه وتراهن دائماً على وطنيته وصموده.
ولفت إلى أهمية أن يبحث المواطن بكافة الوسائل المشروعة عن كيفية تدبير احتياجاته الأساسية وأن يطالب الدولة بتوفيرها وهذا حق أصيل له دون أن يغضب منه أحد، ولكن في نفس الوقت يجب على المواطن أن ينظر إلى الصورة بشكل متكامل ومدى ما تحقق من إنجازات حتى يكون تقييمه للأمور من كافة الجوانب وليس جانباً واحداً.
أما على مستوى الإعلام، فأكد إبراهيم ضرورة أن يكون الإعلام جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكلة ويجب أن يكون عاملاً مساعداً للدولة وليس عبئاً عليها حيث أن مهمته الرئيسية تتمثل في جانب التوعية وشرح الأمور على حقيقتها دون تهويل أو تهوين، ويجب أن يبتعد عن بث جوانب التشاؤم والحديث عن الصورة السوداء للمستقبل.
ولفت إلى أهمية أن يكتسب الإعلام ثقة المواطن من خلال تحليه بالشفافية والمصداقية فليس أمام المواطن سوى تلك البرامج الحوارية التي يرغب في أن يتفهم منها طبيعة الأوضاع التي تمر بها بلاده، ويجب على الإعلام أن يعي أن المواطن المصري إذا ما عزف عن متابعة قنواته المصرية سوف يتجه إلى قنوات أخرى من المؤكد أنها لن تهتم بأن توضح له الحقيقة كاملة أو أن تقدم له الحقيقة مشوهة ومغرضة.
وأكد أهمية ابتعاد الإعلام عن تناول الموضوعات التي يمكن أن تثير الرأي العام خاصة في مثل هذه الظروف التي تتطلب أكبر قدر من الاستقرار الداخلي مثل مهاجمة بعض الرموز الدينية أو الخوض في مسائل دينية دون علم وليس لها أي تأثير سوى إثارة الشارع الذي يلقى المسئولية في النهاية على الدولة، كما أن الإعلام الرياضي المنتشر في العديد من القنوات يجب أن يغير من توجهاته الحالية التي أعتبرها نوعاً من التحريض وتزيد من معدل التعصب الأعمى.
وعلى مستوى الأحزاب، شدد اللواء محمد إبراهيم على ضرورة أن يكون للأحزاب السياسية والقوى الوطنية دور في التخفيف من حدة هذه الأزمة، ومع التقدير للتحركات والأنشطة التي تقوم بها هذه الأحزاب إلا أن المطلوب أن يكون دورها أكثر فاعلية حتى يشعر بها المواطن عن قرب وبشكل دائم وليس بشكل موسمي أو مؤقت.
وخلص إبراهيم إلى أنه "في ضوء كل ما سبق فإنني أتحدث عن أزمة استثنائية مؤقتة تمر بها مصرنا الغالية والعزيزة والأبية وعلينا ألا نحولها إلى كارثة أو أن لها صفة الديمومة أو أنها نهاية العالم، ومن المؤكد أننا سوف نعبر بإذن الله هذه الأزمة بسلام ونجاح ولكن بشرط تضافر كافة الجهود التي تقوم بها الدولة ومؤسساتها ومواطنيها وقيام الجميع بأداء مسئولياته على أكمل وجه وكل على قدر إمكانياته، وسوف تظل هامة وقامة مصر التي يحفظها الله عز وجل مرفوعة بكل شموخ وعزة وكرامة، ولن تنحنى إلا لله وحده، وفى النهاية فإن فالحضارة المصرية العريقة والدولة المصرية العظيمة كانت وما زالت وستظل بوتقة خير ينهل منها الجميع كما نهل منها من قبل.
اللواء محمد إبراهيم: القيادة السياسية لا تدخر جهدا في دفع الدولة إلى الأمام من خلال منظومة عمل متكاملة
مصر/مقال/سياسة
You have unlimited quota for this service