• جانب من تسلم الرئيس السيسي رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي
    جانب من تسلم الرئيس السيسي رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي

تشكل رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي التي بدأت اليوم /الأحد/ فرصة جيدة لتحقيق التنمية الاقتصادية في ربوع القارة، وتدرك مصر جيدًا أن الاقتصاد الأفريقي لا يفتقر في حد ذاته إلى مقومات النهوض إذا أحسنت دول القارة استثمار وإدارة الموارد الأولية والثروات الهائلة التي حبا الله بها بلدان القارة ويقدم ما حققته مصر وغيرها من شقيقاتها في أفريقيا من نجاحات على صعيد الإصلاح الاقتصادي، ومحاربة الفقر.

ففي الفترة ما بين 1990 و2010 نجحت 24 دولة أفريقية من إجمالي 54 دولة تشكل مجموع دول القارة آنذاك في مضاعفة متوسط نصيب مواطنيها من الدخل القومي.

وحققت أفريقيا صعودًا في معدلات نموها الاقتصادي من 2ر4% في عام 2012 إلى 8ر4% في عام 2013، إلا أن مزيدًا من الجهد يتعين على دول القارة بذله على أصعدة إنتاج الغذاء وتعزيز مبادلات التجارة البينية والنهوض بالبنية التحتية ومشروعاتها كمحفز لتعظيم الاستثمارات القادمة إلى القارة، وجميعها مجالات حققت مصر فيها على المستوى الوطني نجاحات كبيرة تتطلع حكومات القارة الأفريقية إلى محاكاتها، ولذا يجمع خبراء التنمية على أن تولي مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي سيكون فرصة لا تعوض يتعين اغتنامها من أجل إعطاء قوة دفع أكبر للعمل الأفريقي المشترك يقوم على تحقيق الفائدة والنفع المتبادلين للجميع.

وتعد استراتيجية 2063 إطارًا شاملًا لتحقيق أهداف الإنماء الاقتصادي والاجتماعي للأفارقة ستدعم القاهرة خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي وضع أهدافها موضع التنفيذ بحلول هذا التاريخ، وقد شكل منتدى أفريقيا 2018 الذي استضافته مدينة شرم الشيخ مطلع ديسمبر الماضي منصة انطلاق لإعلان استراتيجية مصر تجاه النهوض بالقارة في المرحلة القادمة من منظور بناء الوطن والمواطن باعتباره هدفًا للتنمية وصانعًا لها.

ففي مارس من عام 2018 وفي القمة الأفريقية التي استضافتها كيجالي عاصمة رواندا، دشن القادة الأفارقة منطقة تجارة حرة أفريقية موحدة وهو الهدف الذي سعت مصر طويلًا إلى تحقيقه وعبأت بلدان القارة سياسيًا وشعبيًا ودبلوماسيًا من أجل إزالة العوائق أمام إنشاء منطقة تجارة أفريقية حرة تعزز مبادلات التجارة والخدمات بين بلدان القارة وتغنيهم عن الاستيراد من العالم الخارجي، والخضوع لتقلبات الأسواق الدولية.

ويعد إنتاج الغذاء ودعم الزراعة مجالًا حيويًا يتطلع الأفارقة لأن تدعمه رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، فعلى صعيد الخطط والتصورات الخاصة بتحقيق الأمن الغذائي الأفريقي يشكل إعلان (مابوتو) الصادر عام 2003 منصة عمل جماعية جيدة تقوم على تلاقي الخبرة العملية والتخطيطية لمؤسستين هامتين من مؤسسات الاتحاد الأفريقي وهما (مبادرة الشراكة الجديدة من أجل التنمية في أفريقيا "نيباد"، وبرنامج الإنماء الزراعي الأفريقي الشامل "كادب") حيث تم الإعلان في بيان مابوتو 2003 التزام الحكومات الأفريقية بتخصيص نسبة 10% من نواتجها القومية الإجمالية لأغراض الإنماء الزراعي ومكافحة التصحر وحماية الثروات الغابية.

وتشكل التجربة المصرية الراهنة للإنماء الزراعي من خلال التكنولوجيا الحديثة للزراعة وترشيد استخدامات مياه الري نموذجًا ملهمًا لدول أفريقيا التي تتطلع لتلك الخبرة المصرية في الإنماء الزراعي، فوفقًا لتقارير التنافسية الدولية تعد الزراعة هي المشغل الأكبر لليد العاملة الأفريقية، ويعمل بها نحو 100 مليون أفريقي من أصحاب الحيازات الصغيرة والمتوسطة، كما يعمل 40% من الشباب الأفريقي بالزراعة مقارنة بنسبة 33% في قطاع الخدمات، أما قطاع التجارة والأعمال فلا يقدم سوى 13% من فرص العمل للشباب الأفريقي، وأخيرًا توفر قطاعات التصنيع والتشييد والبناء نسبة لا تتعدى 8% من فرص العمل لشباب أفريقيا.

وتؤكد تقارير بنك التنمية الأفريقي أن أفريقيا تفقد نسبة لا تقل عن 25% من إنتاجها الزراعي الخام نتيجة افتقار القارة لمرافق البنية الأساسية والطرق وشبكات النقل التي تقلل زمن النقل، وكذلك لافتقار القارة لخدمات البنية التحتية للكهرباء التي تعد أساسًا في عمليات التبريد والتخزين للمنتجات الأفريقية من الحاصلات واللحوم والأسماك.

ويعد محور النقل (القاهرة - كيب تاون) الذي يربط بين جنوب أفريقيا وشمالها مرورًا بدول الوسط مشروعًا طموحًا لتسريع وتيرة مبادلات التجارة بين بلدان أفريقيا بعضها البعض وكذلك بينها وبين أسواق التصدير الأوروبية اعتمادًا على موقع مصر الاستراتيجي على ساحل المتوسط في مواجهة الاتحاد الأوروبي ، فضلًا عن كون مصر مركزًا للتجارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبوابة الاتصال بين العالمين العربي والأفريقي.

ورغم ذلك، تبقى المشكلة السكانية نقطة ضعف مركزية تتلاشى معها أي آثار إيجابية لجهود الإنماء الاقتصادي في أفريقيا على شعوب القارة، فمع تحسن الأوضاع الصحية وارتفاع متوسطات الأعمار للأفارقة يتوقع البنك الدولي وصول عدد سكان القارة من مليار نسمة في الوقت الراهن إلى 3ر2 مليار نسمة بحلول العام 2050، معظمهم من الشباب، وهو ما يحمل في طياته أوجهًا إيجابية تتمثل في امتلاك أفريقيا أكبر قوة عمل على مستوى قارات العالم وأوجها سلبية تتمثل في تداعيات التضخم السكاني صحيًا وتعليميًا وأمنيًا، فضلًا عن صعوبات خلق فرص كافية للعمل.

وستدفع مصر - خلال رئاستها الاتحاد الأفريقي بقوة باتجاه تعزيز وتفعيل التجارة الأفريقية البينية وتحريرها من العوائق التي تكبل انطلاقها - كما ستقدم مصر كل ما يلزم لحكومات القارة من خبرات مصرية على هذا الصعيد، لا سيما وأن حجم التجارة البينية الأفريقية لا يتعدى نسبة 15% من إجمالي تجارة أفريقيا مع العالم الخارجي.

كما أشارت الدراسات الصادرة عن بنك التصدير والاستيراد الأفريقي إلى أهمية تعزيز التجارة البينية الأفريقية كقاطرة لتعزيز الناتج المحلي لقارة لا يفتقر إلى مقومات النهوض في كافة القطاعات.

وتشكل أسواق أفريقيا مجالًا واسعًا أمام الصادرات المصرية الصناعية والزراعية للانطلاق إلى أسواق القارة وكذلك ستكون أفريقيا مجالًا واسعًا لنقل التجارب المصرية في مجالات التشييد والبناء والصناعة والخدمات الطبية والتعليمية والتدريب الفني ونقل وتطويع التكنولوجيا للأفارقة، وفق رؤية تقوم على تبادل الخبرة وتطويع التكنولوجيا المتقدمة لاحتياجات الإنسان الأفريقي وتحقيق الفائدة المشتركة للجميع.

واستضافت القاهرة نهاية 2018 عددًا من الفعاليات الأفريقية المشتركة التي تركز على قضايا الأمن الغذائي إنتاجًا وتصنيعًا، النسخة الخامسة من معرض "فود أفريكا" وكذلك معرض التجارة البينية الأفريقية بمدينة شرم الشيخ والذي يعتبر المعرض الأول من نوعه على مستوى القارة، وقد شكلت تلك الفعاليات تمهيدًا لبلورة الرؤية التنموية المصرية من خلال العمل الأفريقي المشترك وهي الرؤية التي ستعمل مصر على وضعها موضع التنفيذ الفعلي خلال توليها رئاسة الاتحاد الأفريقي هذا العام.

فعلى مستوى مشروعات البنية التحتية ومشروعاتها تعتبر شركة "المقاولون العرب" قوة ضاربة في قطاعات التشييد والبناء والمشروعات الكبرى على مستوى القارة، وقد اختارتها الحكومة التنزانية لبناء ما سيكون أكبر سد نهري في تنزانيا، وهو سد (جورج ستيجلر) الذي من المخطط له وفقًا لدراسات جدواه الإنشائية توليد 5920 جيجاوات من الكهرباء.

ووفقًا لتقديرات بنك التنمية الأفريقي، فإن حجم سوق مشروعات البنية التحتية والمرافق العامة في أفريقيا يصل إلى 170 مليار دولار أمريكي، وهو ما جعل أفريقيا ساحة تطاحن بين بلدان العالم الكبرى للدخول إلى هذه السوق الواعدة لمشروعات البنية التحتية وفي مقدمتها مشروعات النقل.