• ؤ
    ؤ
  • يء
    يء
  • ؤصس
    ؤصس

 كتب : حسام ابراهيم
منذ 44 عاما كان دمه الطاهر هو ألق الوطن والبشارة والعلامة، هنا في "العلامة رقم 6" وعلى مسافة لاتزيد عن 250 مترا من نيران العدو كان البطل عبد المنعم رياض يشرع قامته النبيلة، يتوق للحظة متحررة من غيم الخديعة ويركض ساطعا كوهج النور نحو حلم الشهادة، يعلم أن للفردوس أبوابا وقد اختار باب الشهداء.
هنا في الخندق الأول للموقع الأول بالنسق الأول على خط النار وقف البطل مفردا في صيغة وطن وحلم شعب وقضية أمة. ومن هنا اختار "فارس الشهداء" عبد المنعم رياض أن يوجه الرسالة لكل من يعنيه الأمر: "مصر لن تموت رغم غيوم الخديعة وجبروت الغدر والمكر المخاتل، مصر باقية شامخة مابقى الزمان والمكان".
وبقدر مايستعيد المصريون ذكرى وأمثولة استشهاد رئيس الأركان والعسكري المثقف عبد المنعم رياض بقدر ماتثير الذكرى أكثر من سؤال بالنسبة للثقافة المصرية وتفرض حالة من المقارنة مع الثقافة الغربية فيما يتعلق بالكتب والأعمال الابداعية عن أبطال الحروب وكبار القادة العسكريين.
ولد "فارس الشهداء" الفريق عبد المنعم رياض يوم الثاني والعشرين من اكتوبر عام 1919 في قرية سبرباي بمحافظة الغربية وكان والده "القائم مقام محمد رياض عبدالله" هو "قائد بلوكات الطلبة بالكلية الحربية".
ولأنه كان من المتفوقين في الثانوية العامة "الشهادة التوجيهية حينئذ" فقد التحق بكلية الطب بناء على رغبة اسرته غير انه اصر بعد عامين من الدراسة في هذه الكلية على تحقيق حلمه في الالتحاق بالكلية الحربية التي تخرج منها برتبة ملازم ثان عام 1938.
وارتبط عبد المنعم رياض بالقضية الفلسطينية منذ بداياتها وحصل على وسام "الجدارة الذهبي" لقدراته العسكرية المتميزة في حرب 1948 فيما ظلت القضية في قلبه وعقله حتى لحظة الشهادة في حرب الاستنزاف.
ورغم مرور 44 عاما على استشهاد الفريق عبد المنعم رياض تفتقر المكتبة المصرية لكتاب عن "فارس الشهداء" على غرار الكتب التى تصدر في الغرب بمستوى رفيع وتتناول القادة الكبار والحروب الكبرى مثل الحرب العالمية الثانية التي مازالت تلهم الكتاب والمبدعين هناك بالمزيد من الكتب والأفلام والأعمال الابداعية.
 فنحن مازلنا في عصر الكتب الكبيرة عن الحرب كما يقول ريتشارد اوفري فى جريدة "ذي جارديان" البريطانية وهاهي الكتب تتوالى حتى الآن عن الحرب العالمية الثانية بأقلام مؤلفين مثل اندرو روبيرتس وماكس هاستينجز وانتونى بيفور، فيما صدر كتاب جديد مؤخرا للمؤلف نورمان ستون الذي يأخذ عليه اوفري أنه ضغط وكثف ست سنوات من القتال والمعارك في 200 صفحة فقط!.
 
كتاب جديد
وفي كتابه الجديد: "الحرب العالمية الثانية..تاريخ قصير" يكمل نورمان ستون كتابه الأول عن الحرب العالمية الأولى فيما يواصل ناقد "الجارديان" ريتشارد اوفري مآخذه على المؤلف بسبب عدد صفحات كتابه، معتبرا أن حدثا في حجم الحرب العالمية الثانية أثار أسئلة لاتنتهي مع اجابات قليلة بحاجة لصفحات وصفحات تتجاوز الـ 200 صفحة مع أن كتبا عديدة صدرت من قبل عن هذه الحرب ومع ان نورمان ستون أوضح في عنوان كتابه انه تاريخ قصير للحرب!.
فثمة حاجة لفهم أعمق لقرارات الحرب فى سياق أوسع من جبهات القتال ومسارح العمليات وفى إطار ثقافي - سياسي ونظرة متمعنة في الأزمات الاقليمية والدولية وفلسفات العصر وعسكرة الثقافة والعلوم وخبايا ماوراء الكواليس والمناطق الرمادية بالتباساتها ومزالقها الخطرة والقدرات المجتمعية فى مجالات الحراك والتعبئة والحشد.
وإذا كان الفريق أول محمد فوزي يؤكد في كتابه "حرب الثلاث سنوات" على فشل نظام التعبئة والحشد في مصر عشية حرب الخامس من يونيو 1967 فها هو نورمان ستون يتحدث في كتابه الجديد عن أفكار القرن التاسع عشر ونظريات بسمارك والرؤى الامبراطورية التي كانت تستحوذ على جزء هام من عقلية الزعيم النازي الألماني ادولف هتلر وخصمه البريطاني العتيد ونستون تشرشل في قرارات حرب تغير وجه القرن العشرين الذي يحبو حينئذ نحو منتصفه.
هكذا تترجم هذه القرارات لمعارك كبرى في الحرب العالمية الثانية مثل دانكرك ونورماندي وستالينجراد والعلمين وحينئذ كان عبد المنعم رياض يخدم ببطارية مضادة للطائرات في الصحراء الغربية لمصر.
وفي كتابه: "حرب الثلاث سنوات" الذي تناول فيه حرب الاستنزاف بصورة مفصلة يقول الفريق أول محمد فوزي إن الخبرات العسكرية لجيله من الضباط المصريين بدأت بأحداث الحرب العالمية الثانية، موضحا أنه اشترك في الدفاع المضاد للطائرات عن القواعد الجوية والبحرية في الاسكندرية وبورسعيد وقناة السويس عامي 1941- 1942. 
ويضع القائد العسكري المصري الراحل الفريق اول محمد فوزي يده على قضية ثقافية - عسكرية هامة عندما يشير في سياق "صعوبات البحث عن الحقيقة" إلى خلو المكتبة العسكرية المصرية - العربية من كتب تبين الحقائق والدروس المستفادة منها بالتفصيل لتأخذ طريقها إلى عقول وأفكار الأجيال الناشئة ولتكون مرجعا تاريخيا للأجيال القادمة.

 محمد فوزى
ويؤكد محمد فوزي الذى شغل منصب القائد العام بعد هزيمة الخامس من يونيو على أن "العلم والمعرفة والخبرة المكتسبة من المعارك لايصح ان يحجبها أي عائق أو مانع حتى لو كانت حقائقها وظروفها سيئة"، فيما يمكن القول إن ثمة إشكالية ثقافية واضحة في هذا السياق تمتد من الكتاب إلى السينما والمسرح حيث لم يظهر حتى الآن مثلا كتاب أو فيلم أو مسرحية عن الشهيد عبد المنعم رياض على المستوى المنشود أو اللائق بمثل هذه القامة في تاريخ مصر والعسكرية المصرية.
وفي المقابل فإن المكتبة الغربية تستقبل تباعا العديد من الكتب الجديدة حول الحروب والقادة العسكريين في الغرب مثل كتاب: "تعليم الجنرال دافيد بتريوس" بقلم باولا برودويل مع فيرنون لويب وكتاب: "المتمردون..دافيد بتريوس والمؤامرة لتغيير الطريقة الأمريكية في الحرب" لفريد كابلان وكتاب: "النجم الرابع .. أربعة جنرالات والكفاح الملحمي من أجل مستقبل جيش الولايات المتحدة" لدافيد كلود وجريج جاف وهناك أيضا كتاب: "الجنرالات .. القيادة العسكرية الأمريكية من الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم" لتوماس ريكس.
وفيما نال الشهيد عبد المنعم رياض درجة الماجستير في العلوم العسكرية عام 1944 وكان ترتيبه الأول واستكمل دراسته كمعلم مدفعية مضادة للطائرات في انجلترا عامي 1945 و1946 فقد اتقن عدة لغات إلى جانب الانجليزية من بينها الفرنسية والألمانية والروسية وتولى وهو برتبة البكباشي قيادة مدرسة المدفعية المضادة للطائرات في عام 1951.
واللافت أن هناك رسائل أو اطروحات دكتوراة في جامعات مدنية غربية عن قضايا عسكرية اواستراتيجية متصلة بقضايا الحرب مثل اطروحة الدكتوراة التى تقدم بها دافيد بتريوس المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية عام 1987 لجامعة برنستون فى الولايات المتحدة وكانت بعنوان: "المؤسسة العسكرية الأمريكية ودروس فيتنام .. دراسة عن الفعالية العسكرية واستخدام القوة في مرحلة مابعد فيتنام".
وهناك كما هو واضح العديد من الكتب الجديدة التى تتناول الجنرال دافيد بتريوس كعسكرى محترف على مدى أكثر من ثلاثة عقود فيما تولى هذا الضابط القاريء مناصب قيادية وميدانية هامة سواء فى الحرب على العراق أو الحرب على افغانستان وتجسد حياته العسكرية قصة الحروب ذات النهايات المفتوحة أما كلمة النهاية في قصته كمدير لوكالة المخابرات المركزية فكتبتها امرأة وعلاقة خارج نطاق الزوجية ليجد نفسه في مهب الريح وتتناوشه سهام الخصوم ويذهب تاريخه الطويل ادراج الرياح! .

عبدالمنعم رياض "فطراز نادر"
هذا طراز من الجنرالات له ماله وعليه ماعليه، أما عبدالمنعم رياض "فطراز نادر.. نادر من القادة العسكريين" فهو العسكري الوطني المثقف وليس مجرد قاريء نهم مثل دافيد بتريوس أو مجرد جنرال محترف للحرب وبارع في فنون القتال واستراتيجيات المجابهة دون أن يعي المعني الفلسفي العميق لقضايا الحرب والسلام وارادة المقاومة، ولماذا تكون الحرب ضرورة أخلاقية احيانا في سياق حركة التاريخ وسنن الله الفاعلة.
وهذا النوع النادر من القادة العسكريين الذي انتمى له عبد المنعم رياض بمقدوره أن يدرك مبكرا مآلات قضايا قد تستعصي على الفهم المبكر لجنرالات كبار مثل: "لماذا تهزم قوى عسكرية جبارة أمام حركات مقاومة لايقارن تسليحها بأي حال من الأحوال بهذه القوى التي لايكون أمامها سوى الانسحاب كما حدث للجيش الفرنسي في الجزائر وكما حدث للأمريكيين في فيتنام وللروس في افغانستان وللاسرائيليين فى غزة".
فجنرال محترف ومتمكن فى العلم العسكري مثل دافيد بتريوس لم يكن بمقدوره أن يدرك مبكرا مآلات الحرب الأمريكية على افغانستان والعراق وأن هذه الحرب ستتحول إلى مستنقع لقواته حتى بات الخيار الوحيد هو ضرورة الخروج من المستنقع والانسحاب أما ذلك الطراز النادر من الجنرالات المثقفين الذين يمكن وصفهم بالمفكرين العسكريين مثل عبد المنعم رياض فلهم شأن اخر ويتمتعون بالقدرة على القراءة المبكرة لتفاصيل المشهد.
ليس من الغريب اذن أن ينتسب الضابط العظيم عبد المنعم رياض لكلية العلوم لدراسة الرياضة البحتة أو ينتسب وهو برتبة الفريق لكلية التجارة لادراكه لأهمية الاقتصاد في القضايا الاستراتيجية، فيما كان يرى أن القادة يصنعهم العلم والتجربة والفرصة والثقة. 
وفي منتصف ستينيات القرن العشرين كان دافيد بتريوس طالبا في المدرسة الثانوية بينما عبد المنعم رياض هو الجنرال الذهبي فى الجيش المصري كما اطلق عليه عسكريون روس عرفوه من قبل أثناء حضوره دراسات عسكرية متقدمة في الاتحاد السوفييتي السابق.
ففي التاسع من ابريل عام 1958 توجه عبد المنعم رياض إلى الاتحاد السوفييتي للدراسة في الأكاديمية العسكرية العليا وأتمها بامتياز في عام 1959 وحصل على زمالة كلية الحرب العليا بأكاديمية ناصر العسكرية عام 1966.
وكانت "القيادة العربية الموحدة" قد اقيمت حينئذ لتوحيد الجهود العسكرية العربية ضد إسرائيل، فيما يقول محمد فوزي: "كان الفريق عبد المنعم رياض الذي عين رئيسا لأركان هذه القيادة هو المحرك الفعلي لنشاطها في أغلب دول المواجهة ماعدا مصر، إذ أنه كان شبه مبعد عن القوات المصرية لأنه ليس مقربا من المشير عبد الحكيم عامر ومجموعته".

 الصراع الخفى
وفي هاتيك الأيام كان الصراع الخفي بين الرئيس جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر قد احتدم كما يؤكد الفريق أول محمد فوزي في كتابه "حرب الثلاث سنوات"، وتصاعد هذا الصراع على حد قوله ليصل إلى قمته قبل حرب 1967 لدرجة أثرت على صنع القرار وأوجدت مواقف أثرت تأثيرا مباشرا على المعركة.
وعلى الرغم من هذا "الصراع الخفي" يقول الفريق أول محمد فوزي: "إن التاريخ سوف يقف حائرا أمام العلاقة الشخصية بين الرئيس عبد الناصر وبين المشير عبد الحكيم عامر والتي لم أتمكن من تحديدها أو وصفها بدقة حتى باتت لي كما لو كانت لغزا غامضا"!.
ويعيد فوزي إلى الأذهان "الانذار المبكر صباح 5 يونيو" الذي ورد من الفريق عبد المنعم رياض في قيادته المتقدمة بالعاصمة الأردنية عمان إلى القاهرة عن موجات متتابعة من المقاتلات الإسرائيلية في طريقها إلى مصر غير أن هذا الانذار لم يجد من يستقبله فيما كان كفيلا ، مع انذار آخر لم يجد بدوره من يهتم به، بتغيير مسار هذه الحرب المشؤومة.
وقبل أن ينتهي عام 1967 بدأ الفريق عبد المنعم رياض في إعداد الخطة العامة لتحرير الأرض المصرية المحتلة كما يوضح فوزي في كتابه لتدور عجلة التنفيذ اعتبارا من فاتحة عام 1968 فيما بدأت بالفعل مرحلة المواجهة عبر قناة السويس.
وكان لجمال عبد الناصر أن يبتسم لأول مرة بعد هزيمة يونيو وعبد المنعم رياض يطلب منه بإلحاح بعد أن اختير رئيسا للأركان يوم الحادي عشر من يونيو 1967 ألا يقبل أبدا أى عرض لاعادة سيناء لمصر حتى دون شروط، مؤكدا أن الحرب واجب أخلاقى لاستعادة هذه الأرض المصرية الغالية والثأر لهزيمة يونيو ودماء الشهداء "حتى لاتضيع الأخلاق ويتحول البلد إلى كاباريه أو ملهى ليلي".
وقال فارس الشهداء عبد المنعم رياض: "لن نستطيع أن نحفظ شرف هذا البلد بغير معركة، وعندما أقول أقول شرف البلد فلا أعني التجريد وإنما أعني شرف كل فرد في هذا البلد".
ولعل القراءة العميقة لمغزى هذه العبارة التى قالها عبد المنعم رياض في لحظة حالكة يقف فيها العدو على شاطىء القناة يمكن أن تساعد في فهم لحظة راهنة تحولت فيها مباراة لكرة القدم بين شباب مصري بتداعياتها الأليمة والدموية إلى فتنة تهدد الوطن وتجور على عطاء الشهداء وتضحياتهم بالأرواح من أجل مصر.
ويمكن في سياق كهذا استعادة ماقاله الفريق اول محمد فوزي في كتابه :"إن الأمن القومي ليس مسألة عسكرية فحسب بل قضية متعددة الأبعاد والعوامل تختلط فيها السياسة بالاقتصاد والجغرافيا بالعسكرية والوضع الاجتماعي بالأمن والنظام السياسي بالاستراتيجية".

مدن القناة
وإذا كان لكل مصري أن يتذكر فارس الشهداء عبد المنعم رياض عندما يرى قناة السويس أو يعبرها آمنا إلى سيناء فإن الضمير الوطني المصري لايمكن أن ينسى مدن القناة وتضحيات سكانها بعد هزيمة الخامس من يونيو وقرار مصر بالصمود ورفض الاستسلام للهزيمة وبدء حرب الاستنزاف ضد المحتل الغاصب.
لقد اخليت مدن القناة ايامئذ من أغلب سكانها المدنيين الذين هجروا إلى عمق مصر لحمايتهم من نيران العدو فى غمار حرب الاستنزاف وعلى الطريق لحرب رمضان وتحرير سيناء، فيما كان الإسرائيليون شأنهم شأن القوات الاحتلالية الفرنسية فى الهند الصينية ثم القوات الأمريكية فى المنطقة ذاتها يؤمنون بمبدأ "القوة النيرانية الهائلة فى العمليات العسكرية وقدرتها على قمع أي مقاومة".
ومن أشد المؤمنين بهذا المبدأ الجنرال ويليام ويسترمورلاند القائد العسكري الأمريكى أثناء احتدام الحرب الفيتنامية فى ستينيات القرن العشرين، فيما كان الجنرال موشى ديان "ايقونة الحرب في اسرائيل" قد ابتعث ايامئذ لفيتنام الجنوبية للاستفادة من دروس الحرب التى يشنها الأمريكيون على الشعب الفيتنامى المقاوم ومحاولة اسقاط النظام المناويء لواشنطن فى الشطر الشمالي بفيتنام المقسمة حينئذ.
ومن دروس العدوان  الأمريكي على فيتنام وحرب الخامس من يونيو إلى حوارات النار والدمار وحمم الجحيم على مدن القناة الباسلة وفي عمق أرض الكنانة، كان عبد المنعم رياض بثقافته الواسعة قادرا على التوصل لاجابات تثيرها اسئلة هامة مثل :"ماالذى تفعله الحرب في هؤلاء الذين يخوضون معاركها العسكرية؟ وكيف للمواطن العادي أن يتحمل هذه الظروف غير العادية ويواصل الحياة والبناء تحت نيران عدو مجرم مستعد لارتكاب كل الفظاعات ولاتكف طائراته عن محاولة قتل أي حياة طبيعية على الأرض المصرية؟".
وفى تلك الأيام كان الصوت المصري النوبي الدافيء للراحل محمد حمام يشدو بكلمات الشاعر عبد الرحمن الأبنودي :"يابيوت السويس يابيوت مدينتي..استشهد تحتك وتعيشي انتي" وكانت سيناء تسخر من الغاصب أمام العالم.


مفاجأة موشى ديان
وعندما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي حينئذ موشي ديان عن مفاجأة مزمعة في مؤتمر صحفي عالمي ببلدة الحسنة في وسط سيناء تتمثل في الاعلان عن رغبة أهالي سيناء في الانفصال عن مصر وفوض الإسرائيليون الشيخ سالم الهرش من قبيلة "البياضية" لإعلان الرغبة في الانفصال إذا به يفاجيء ديان أمام العالم ويؤكد في هذا المؤتمر الصحفي أن سيناء مصرية قلبا وقالبا ولايمكن لأحد التفريط في مصريتها.
ولم يكن عبد المنعم رياض في موقعه كرئيس لهيئة الأركان بعيدا عن قرار دعم المقاومة في سيناء والقيام بعمليات فدائية ضد العدو المحتل على نحو يسجل صفحات مجد فى قصة المقاومة فى كل مكان بهذا العالم ضد الاحتلال والمظلومية التاريخية.
وفيما يسجل كتاب "شارع بلا بهجة" على سبيل المثال قصة المقاومة في الهند الصينية ضد الاحتلال الفرنسي  وهزيمة الجيش الفرنسي فى معركة "ديان بيان فو" عام 1954، فإن المكتبة المصرية - العربية مازالت تنتظر الكتب التى تسجل قصة المقاومة في سيناء بصورة أمينة وعلى مستوى ثقافي رفيع.
وفي كتابه "حرب الثلاث سنوات"، يخصص الفريق أول محمد فوزي بعض الأسطر القليلة للحظة استشهاد عبد المنعم رياض، فيقول:"جاءت لحظة من اللحظات السيئة التي لاتحدث إلا نادرا إذ شاهد العدو رتلا من عربات القيادة قادما من بور سعيد إلى الاسماعيلية على الطريق الموازي لقناة السويس واستشعر أن به شخصية عسكرية هامة".
ويضيف فوزي: "تتبع العدو سير هذا الرتل حتى وصل إلى الموقع رقم 6 في الاسماعيلية واطلق عددا من قذائف المدفعية 155 مم فاستشهد البطل عبد المنعم رياض وفقدت بذلك نائبي وزميلي وصديقي يوم 9 مارس 1969 في الخندق الأول للموقع الأول في النسق الأول لقوات الجيش الثاني وتحولت جنازته في وسط القاهرة إلى ملحمة وطنية". 
كان فارس الشهداء و"صاحب التفكير المختلف" يرى أن مكان القادة الصحيح هو وسط جنودهم وأنه لابد من الجندى المثقف والفرد المتعلم في المعركة، هنا كان يبدع ثقافة جديدة، هنا المدى وهج والشهيد واثق بعدالة القضية وشرف الحرب وضرورة الثأر حتى لاتنحني الجباه ويموت الأمل والمعنى. هنا في الموقع رقم 6 كانت تنتظره خيول الماء وخيول السماء وتتسابق في الصعود بفارس الشهداء لخالق الأرض والسماء.
 حسا
أ ش أ