القاهرة في 15 مارس/أ ش أ/حديث أجراه: حمدي المليجي
اعتبر الكاتب والشاعر وليد علاء الدين أن "القارئ" عادة ما يكون آخر انشغالات الكاتب الحقيقي لأن القلق هو المحرك الرئيس لكل كتابة ، مستبعدا أن يكون "القارئ" هو ذلك الرضيع الذي يُدر الكاتب من أجله وهو أمر غير صحيح.
وقال علاء الدين ـ في حديث لوكالة أنباء الشرق الأوسط - إن القلق وثيق الصلة بحساسية الكاتب وقراءاته واهتماماته وانشغالاته كما أن الرضيع وثيق الصلة بطبيعة الأم ، مشيرا إلى أن القلقُ يثير حواسَّ الكاتب ويُعوِّدُه الملاحظةَ والانتباهَ للتفاصيل التي تعينه على معالجة هذا القلق وتطويره وتحويله إلى تساؤلات ، كما يثير وجود الرضيع الحنان في الضرع فيتحرك الحليب.
وأضاف :" هنا تبدأ الكتابة، باعتبارها تفكيرًا بصوت مكتوب، وتصبح كل كتابة محاولة لتجسيد القلق في صورة قابلة للتداول الجمالي، وتصبح كل كتابة، بوصفها محاولة للبحث والقراءة، مدخلاً لكتابة جديدة تصاحبها قراءات أخرى ينتج عنها أشكال تعبير جديدة، وهكذا إلى أن تنتهي الرحلة".
وذكر أن أشكال التعبير الفنية التي يمارسها الإنسان، على اختلاف أنواعها بين أدبية وبصرية ومسموعة وحركية ، تعد استمرارا للعب الذي ليس مقصورا على الأطفال ، فاللعب حالة مزاجية إيجابية، تنمو أشكال ممارستها بنمو الإنسان وتتطور نتيجة لخبراته ومعارفه وتتعدد بتعدد تساؤلاته.
ويعد وليد علاء الدين، شاعرا وكاتبا مسرحيا وروائيا وفنانا تشكيليا، استطاع أن يزاوج بين ألوان شتى من الإبداع، بجانب عمله في مجال الصحافة الثقافية، وانشغاله بهموم التراث لسنوات طوال خلال عمله مديرًا لتحرير مجلة "تراث" التي تصدر عن هيئة أبوظبي للتراث، واهتمامه الحالي باللغة وقضاياها، وحضوره الدائم في كثير من الندوات والفعاليات المعنية بالثقافة والآداب والفنون في دولة الإمارات العربية المتحدة والعالم العربي ، ونُشرت أعماله ورسومه في عديد الصحف والمجلات والمنصات الإلكترونية العربية.
وردا على سؤال في أي المجالات الأدبية يجد نفسه أكثر عطاء، قال وليد علاء الدين :" لا أعرف بدقة طبيعة القانون الذي يحكم تنقلي بين عدد من أشكال التعبير التي ألعبها، ولكن الطرح الفكري يأتي مصحوبا بالشكل الذي يناسبه ، فأجدني متورطاً في لعبة التعبير عن هذا الطرح أو تقصي إجابات هذا السؤال أو مشاغبة هذا القلق وفق الشكل الذي جاء بصحبته، وقد ترى الفكرة نفسها في عدد من أشكال التعبير المختلفة وهو أمر متحقق في تجربتي، أن أعالج الفكرة في لوحة، فيزداد تعلقها بذهني فأوسع مساحتها في عدد من المقالات، تساعدني في ضبط شكل محدد للفكرة أجده مناسباً لمسرحية تؤطر الشخصيات وتضبط إيقاع الحركة، وخلال التجهيز للمسرحية أحصل على بعض الإجابات التي تفسح أمامي الطريق لتساؤلات أعلى فأنتقل بالعمل إلى رواية".
وفي هذا السياق ، استشهد الكاتب وليد علاء الدين بما حدث معه في روايته الأولى "ابن القبطية" التي يجد القارئ أفكارها موزعة بين عدد من مقالاته الأسبوعية ، قبل أن يكتبها في نص مسرحي منشور بعنوان "صورة يوسف"، وهو يوسف حسين نفسه الذي أصبح بطل الرواية فيما بعد، وخلال الكتابة اقتنص بعض الخيالات في رسوم بالفحم والرصاص والزيت والأكريليك، التي انتبه بعض الأصدقاء الذين زاروا معرضه التشكيلي الأول "دوائر الهامش" وقرأوا الرواية في رسوماته.
وأوضح أن الأمر نفسه تكرر في روايته الثانية "كيميا" التي ظل يكتبها في مقالات شهرية في مجلة تراث التي كان يدير تحريرها، وفي كتاب أدب رحلة، قبل أن تتشكل في صورتها الروائية التي صدرت بها، وأنتج في تلك الفترة عدداً من اللوحات ذات الصلة بأجواء الحلم والموت والصوفية وغير ذلك من أجواء الرواية ، مشيرا إلى أن روايته "الغميضة" جاءت إلهاما من حوار مع أحد القراء على خلفية مقال نشره ومن الرواية جاءت مسرحية "وشي في وشك".
وصدر للكاتب وليد علاء الدين 14 كتابا تنوعت بين الشعر والمسرح والرواية والمقالة وأدب الرحلة، منها في الشعر: "تردني لغتي إلي"، و"تفسر أعضاءها للوقت"، وفي المسرح: "البحث عن العصفور"، الحاصلة على جائزة الإبداع العربي، و"72 ساعة عفو" الحاصلة على جائزة ساويرس الثقافية، و"مولانا المقدم"، و"وشي في وشك". وفي أدب الرحلة "خطوة باتساع الأزرق" وفي الرواية: "ابن القبطية"، و"كيميا"، و"الغميضة"، إضافة إلى عدد من الكتب في مجال النقد الأدبي والثقافي.
وردا على سؤال هل يظل الشعر ديوان العرب، ، قال علاء الدين:"نردد جميعًا «الشعر ديوان العرب»، من دون توقف عند دلالات المفردات؛ فالديوان كما ورد في الصحاح، كلمة فارسية تصف الدفتر الذي تسجل فيه الأشياء أو الأحداث والبعض ينسبها إلى ابن عباس حين أراد توجيه الاهتمام إلى الشعر كمساعد للناس ودليل لهم في فهم لغة القرآن وهي في رأيي جملة وصفية تقريرية لا يُقصد بها تعظيم أو إجلال الشعر باعتباره فنًّا تعبيرياً، وليست حكما جماليا".
وأضاف :" حتى لو كان الشعر ديواناً للعرب في وقت ما؛ فذلك لأنه كان الشكل الأدبي الوحيد الذي يمكن للعرب -وفي ظني للإنسان في كل تاريخه الشفاهي - التعبير به، فكان هذا الشكل التعبيري القولي الشفاهي هو المنتج الوحيد الممكن حفظه وتداوله ليعكس أفكار المجتمع وثقافته ومعارفه عن تاريخه وذاته ورؤيته للآخر".
وقال إن ابن عباس لم يقل هذه العبارة إعلاءً لقيمة الشعر بوصفه فنًّا وتعبيراً جمالياً، ولا حتى لما حفظه من أفكار العرب وموروثهم، ولكن تقديراً لدوره في حفظ لغة العرب الأوائل في المقام الأول، إذا صح ذلك، لاستخدامها في عمليات تفسير وفهم القرآن الكريم، لذا علينا ألا نقف طويلاً أمام هذه العبارة".
واعتبر أن الشعر حالة جمالية إذا تحققت في شيء صار شعراً. والجمال منتج حي يتطور بتطور المجتمعات لأنه وُجد ليعبر عنها، وهذا ما حدث للشعر الذى انفتح على أشكال معالجة مختلفة، وبعد أن كان رهانه الأول بنيته المنتظمة المناسبة لحالة الشفاهية التي تُعلي من شأن كل ما يمكن صوغه في بنية متفق عليها بين الجميع لإمكان تداولها بينهم، لأن الجميع تقريباً متشابهون ولا توجد اختلافات جوهرية في رؤاهم ونظرتهم للحياة المشروطة بشرطي الزمن والمسافة.
وتابع قائلا:" لم تعد هذه الصيغة صالحة، ولم تعد هناك بنية واحدة وإيقاع واحد ينتظم الجميع، لقد انكسر مؤشر القياس المرتبط بإيقاع الزمن المتفق عليه، وبات في إمكان كل إنسان أن يحدد بنفسه السرعة التي تريحه لقطع المسافة نفسها، ليقدم إيقاعًا مختلفًا. لذلك لم يتراجع الشعر، بل تقدم وتطور وإن تعددت وتركبت وتعقدت اشكال وجوده. ولن يراه أبداً الذين لا زالوا يعتقدون في أن الشعر ديوان العرب حكم قيمة فني على الشعر.
وفيما يتعلق بالرواية العربية ، قال علاء الدين :"لست مؤهلا للحديث عن الرواية العربية، بهذا الشكل المطلق، وفي ظني أننا لا نستطيع أن ندعي وجود رواية عربية لها هذا التميز الذي يجعلنا نسميها عربية.. حديثي هنا منصب على الشكل، لأنني أعتقد أن الشكل -عندما نتحدث عن الفن- هو المعيار الأول للتمييز والتصنيف".
وأردف :" لست ميالاً للتوجه الذي يُعلي من قيمة الأعمال الفنية بناء على ما تعالجه من قضايا، يجب في كل الأحوال أن ننظر إلى الطرق التي يعالج بها الفنانون والأدباء والمصورون والنحاتون قضاياهم أو أفكارهم، هذا إن كنا نتحدث عن الفن والأدب، يعني إذا كنت تمنح جائزة لرواية فالحديث عن القضية التي تعالجها الرواية يجب أن يأتي لاحقاً للحديث عن طريقة المعالجة الفنية" ، معتبرا أنه مهما كانت الفكرة راقية، تظل الأفكار ملقاة على قارعة الطريق، كما يقول الجاحظ، في حاجة إلى من يلتقطها بل في حاجة لمن يعالجها بطريقة جمالية فنية مبتكرة.
وفيما يتعلق بتأثير شخصية الكاتب على شخصيات أعماله المختلقة، قال وليد علاء الدين:" دائماً هناك جزء من الأديب والشاعر والرسام في أعماله، حتى لو من باب النفي، بمعنى أنك لو اجتهدت في أن تخفي دوافعك وملامح شخصيتك وأفكارك، فإنك بهذه الطريقة تعبر عن رايك في ضرورة إخفاء هذه الأشياء".
وذكر أن الفنان التشكيلي ، على سبيل المثال ، لو اجتهد في اختيار ألوان لوحاته تخالف ما يفضله من ألوان ظنا منه أن يمنع تسرب ذاته إلى عمله ، فإنه بذلك يسرب جزءا آخر من ذاته إلى العمل ، مشيرا إلى أنه لا مفر فالأدب والفنون ألعاب تعبيرية شديدة الاتصال بمن ينتجونها، مهما اجتهدوا في إخفاء آثارهم تظل اللعبة لعبتهم.
وحول الشيء الذي يدفعه للكتابة ، قال وليد علاء الدين : "أحب أن أشبّه الكتابة بالضَرع الذي يجب أن يُستدرَّ لينتج. الفلاحون يعرفون معنى ذلك، الضرع إذا لم يستدر فإن حليبه يفسد، ثم يجف، كما أن الحيوان نفسه يمرض وربما يموت.. ثمة منتج يريد أن يتحقق، وهو الحليب".
م ش ا
أ ش أ