• "روحانيات رمضان"...غزوة "مؤتة" جنوب الأردن تطبيق عملي لوصايا الرسول في الحروب

الكرك/عمان في 14 مارس/أ ش أ/ تقرير/خالد العيسوي
مع دخول منتصف شهر رمضان المبارك، مازالت الروحانيات الرمضانية تتجلي انبعاثا من تاريخ إسلامي كبير علم الدنيا أساس الحياة، وشكلت فيه الغزوات مسارا إنسانيا يستنبط منه العبر والخطوات الصحيحة لبناء مجتمع قائم على الأخلاق الفضيلة والتسامح وقبول الأخر ، وهو منهج رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) في كافة المعارك التي خاضها المسلمون لنشر الإسلام وعلى رأسها غزوة "مؤتة" على أرض بلاد الشام ، الأردن حاليا.
محافظة الكرك جنوب الأردن وتحديدا لواء مؤتة، مسرح العمليات لغزوة "مؤتة" وأشهرها في التاريخ الإسلامي التي غزاها المسلمون في عهد رسول الله (صلى)، ووقعت في شهر جمادى الأولى من العام الثامن للهجرة، الموافق لشهر أغسطس من العام ستمائة وتسعة وعشرين من الميلاد، بحسب المراجع الإسلامية المعتمدة من الجهات الرسمية الدينية في عالمنا الإسلامي.
وفي غزوة "مؤتة" أرسل الرسول الكريم ، الحارث بن عمير الأزدي إلى عظيم بصرى، فاستوقفه شرحبيل الغساني، وقد كان شرحبيل هذا عاملا على أرض البلقاء الواقعة في بلاد الشام - الأردن جغرافيا حاليا - من قبل القيصر، فربطه وقتله، وقد كان قتل السفراء في تلك الأزمنة من أشد أنواع الجرائم على الإطلاق.
مقتل الحارث بن عمير الأزدي يعد دلالة صريحة على إعلان الحرب، فبلغ هذا الخبر لرسولنا الكريم في المدينة المنورة؛ فغضب غضبا شديدا، وجهز جيشا من ثلاثة آلاف مقاتل مسلم، وقد كان هذا الجيش أكبر جيش فى ذلك الوقت، فلم يجتمع مثل هذا الجيش إلا في معركة الخندق.
وتجهيزا للحرب، وضع الرسول على رأس الجيش الصحابي الجليل زيد بن حارثة، فإن قتل فيكون الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب (جعفر الطيار)، فإن قتل فالصحابي الجليل عبد الله بن رواحة، وإن قتل عبد الله ، اختار المسلمون قائدا عليهم بحسب توصيات رسولنا الكريم، فيما عقد لهم اللواء الأبيض، فحمله القائد الصحابي الجليل زيد بن حارثة رضي الله عنه.
الأخلاق الفاضلة
ومع تجهيز الجيش لمعركة "مؤتة"، أوصى الرسول، أن يتحلى قادة الجيش وأفراده بالأخلاق الفاضلة فأمرهم ألا يغلوا في الدين، وألا يغدروا، وألا يقطعوا شجرة، وألا يقتلوا وليدا أو امرأة أو شيخا كبيرا، وأمرهم بعدم هدم الأبنية، وإعلاء كلمة الحق والدين، والقتال بشجاعة وبسالة في أرض المعركة، واليقين بنصر الله.
ومع وصول جيش المسلمين إلى مدينة "مؤتة" وهى تقع حاليا في لواء "مؤتة" بمحافظة الكرك جنوب الأردن، وصل جيش الروم والغساسنة بعدد يصل إلى مئتي ألف مقاتل تقريبا، وبدأت المعركة التاريخية، وكان وقعها شديدا جدا، وأحداثها ضخمة، وبسبب الفرق العددي الكبير لصالح جيش الروم، كان القتال شديدا على المسلمين، ولكن الروم تفاجأوا من الروح المعنوية المرتفعة لدى المسلمين إلى درجة أنهم هم من بدأ بالقتال وليس الروم.
ووصل إجمالي الشهداء من المسلمين ثلاثة عشر مقاتلا مسلما فقط، أبرزهم القادة وهم الصحابة الأجلاء زيد بن حارثة وجعفر الطيار وعبدالله بن رواحة وهو ما يؤكد أيضا المقامات التي توجد حاليا في أرض المعركة بمنطقة المزار الجنوبي بمدينة مؤتة بالكرك، أما عدد قتلى الروم فلم يذكر أهل السير عددا معينا، وإنما كانت خسائرهم وعدد قتلاهم كبيرا، وهذا يُظهر حجم الخسائر التي ألحقها جيش المسلمين بالروم.
عشيرة الطراونة ومؤتة
وقال الدكتور محمد حسن الطراونة من أبناء عشيرة الطراونة أكبر العشائر الأردنية وسكان قرية الخالدية الأشرفية لواء "مؤتة" بمحافظة الكرك، لمدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط بعمان خلال زيارته لموقع معركة مؤتة التاريخية، إن الأجداد من عشيرة الطراونة كانوا يقدسون هذا الموقع ويحكون لأطفالهم وشبابهم عن عظمة وقدسية هذه الغزوة الأشرف والأكرم في تاريخنا الإسلامي.
وأضاف الطراونة، أن كل سكان لواء "مؤتة" يعرفون مدى القدسية التي تنعم بها هذه المنطقة من المدنية والمحافظة والأردن بشكل عام وكافة بقاء الأرض، مشيرا إلى أن الأجداد كانوا يقومون بزيارة موقع المعركة باستمرار ويحثون أبناء المنطقة على زيارتها أيضا.
وكشف أن الأجيال المتعاقبة وخصوصا من عشيرة الطراونة وغيرها من عشائر الجنوب حريصة على استمرار نهج الأجداد بزيارة الموقع والتعرف على تفاصيله التاريخية التي تحكي عن أشهر غزوات المسلمين في نضالهم لنشر الإسلام ومحاربة الكفر والضلال، مشيرا إلى أن الموقع يعد إرثا تاريخيا وإسلاميا ما زال يحافظ على تفاصيله.
ونوه الطراونة إلى أن الهاشميين ومنذ فجر التاريخ وحتى اليوم وفي حضرة الملك عبدالله الثاني يعملون على تطوير المنطقة وجعلها مزارا سياحيا ودينيا وتاريخيا للمسلمين وغيرهم، مؤكدا أن موقع معركة مؤتة يحثنا على مواصلة العمل وتحقيق النصر قدوة برسولنا الكريم، داعيا جميع سكان الأرض إلى زيارة الموقع رمز الإنسانية والتضحية.
معجزات الإسلام
وقد أظهرت غزوة "مؤتة" معجزة رسولنا الكريم ، فرغم أن النبي لم يشارك فيها، إلا أنه نعى للمسلمين القادة الثلاثة، وأخبر باستشهادهم، وهم ما زالوا في أرض المعركة، وبينهم مسافات شاسعة، فحدث رسول الله (صلى) أصحابه بالمدينة عن أحداث المعركة وكأنه يشاهد سير القتال، ولم يخطئ في شيء منها، وهذا يدل على أن الله زوى له الأرض، فأصبح يرى ما يحدث لأصحابه وهم يقاتلون على مشارف الشام، وهذه من جملة معجزاته وآياته الدالة على أنه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ويتلقى الوحي من الله عز وجل .
كما أعطت معركة "مؤتة" درسا هاما، ما أحوج أمتنا إليه اليوم، في أثر الإيمان بالله على سير المعارك ونتائجها، فما يثير الدهشة في هذه المعركة، ذلك الفرق الكبير بين عدد المسلمين وعدد أعدائهم، فقد بلغ عدد الروم ومن معهم ما يقرب من مائتي ألف مقاتل، كما روى ذلك ابن إسحاق وابن سعد وعامة كتاب السيرة، فى حين لم يتجاوز عدد المسلمين ثلاثة آلاف، وهي نسبة تجعل الجيش الإسلامي أشبه بنواة صغيرة في أرض كبيرة سوداء، وما يزيد من الدهشة، أن يصمد المسلمون وهم سرية ليس فيها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، أمام هذا اليم المتلاطم، فيقتل أميرهم الأول ثم الثاني ثم الثالث، وهم يقتحمون أبواب الشهادة في نشوة بالغة وإقبال عجيب.
م ع ى/م ش ا
/أ ش أ/