• السياسي الدبلوماسي الأكاديمي بطرس غالي
    السياسي الدبلوماسي الأكاديمي بطرس غالي

إشادة بمسيرة بطرس غالي في الذكرى المئوية لميلاده.. تقرير خاص لـ (أ ش أ) :


- محمد فائق: كان وطنيًا وظهر انتماؤه في موقفه من الصراع العربي الإسرائيلي داخل الأمم المتحدة

- مصطفى الفقي : شخصية استثنائية في تاريخ مصر الحديث.. ورمز لاينسى

- على الدين هلال: عبر عن حبه لمصر بالقول والعمل.. وترك تراثًا لا يموت

- حمدي لوزا: لم يبخل على "الخارجية" بالنصائح والاتصالات والمساهمة في رفع تعليق مشاركة مصر بالاتحاد الإفريقي عام 2013

- منير زهران: كان أستاذًا بمعنى الكلمة وسياسيًا محنكًا

- رئيس مؤسسة بطرس غالي: ترك لنا إرثًا عظيمًا.. كان لابد من الحفاظ عليه للأجيال القادمة

كتبت: ماهيتاب عبد الرؤف

"إن انتماءي لمصر.. يفرض عليا أن اعتنق ما يسري في عروق كل مصري وما يتسم به فكره ووجدانه، ألا وهو الإيمان بأن السلام والأمن غاية، والحوار والتفاوض أسلوب، والوفاق والتعاون أمل، وإنه ليراودني أمل جياش في أن أتمكن من خلال اضطلاعي بهذه المهمة أن أترجم هذه الشحنة الحضارية، مرتكزًا على التعاون فيما بيننا إلى نشر رايات السلام في كل مناطق التخلف والصراع والتوتر في العالم"، بهذه الكلمات بدأ الدكتور بطرس غالي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عقب انتخابه أمينًا عامًا جديدًا للأمم المتحدة، في 3 ديسمبر 1991 .

رحل بطرس غالي، عن عالمنا في فبراير 2016، بعد مسيرة حافلة خاض وواجه خلالها العديد من المفاوضات والأزمات في توقيت دقيق من تاريخ مصر والوطن العربي، وقد لقب خلالها بالعديد من الألقاب منها "قديس السلام، حكيم إفريقيا ومهندس اتفاقية كامب ديفيد".

واليوم نحيي الذكرى المئوية لميلاد، السياسي الدبلوماسي الأكاديمي بطرس غالي (14 نوفمبر 1922)، سادس أمين عام لمنظمة الأمم المتحدة (1992 - 1997)، رمز الوطنية والانتماء لمصر والعرب وإفريقيا، لنذكر الأجيال الجديدة التي لم تعاصره، بتعاليمه ومبادئه في العمل من أجل تحقيق السلام والتنمية واحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة في النظام الدولي .

وتذكيرًا بهذه المناسبة، تعرض وكالة أنباء الشرق الأوسط آراء شخصيات سياسية ودبلوماسية بارزة عملت وتعاملت معه أو تتلمذت على يده، وما يجمعهم هو البصمة التي تركها في كل منهم.

فيصف رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان محمد فائق، ووزير الإعلام في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، شخصية بطرس غالي بأنها "متعددة الإمكانيات و"غاية الثراء"، فيقول لوكالة أنباء الشرق الأوسط "دكتور بطرس غالي هو الأكاديمي الباحث والسياسي وذلك في الوقت الذي تولى فيه مهمة وزير الدولة للشؤون الخارجية ثم نائب لرئيس الوزراء للشؤون الخارجية، فضلًا عن اتجاهاته الثقافية والصحفية، فهو أول سكرتير عام للأمم المتحدة يجمع بين كل تلك الخبرات، ولذلك كان متميزًا".

ورأى محمد فائق أن المؤتمر العالمي التاريخي لحقوق الإنسان الذي عقد عام 1993 في فيينا يعد من أهم وأبرز أعمال الدكتور بطرس غالي، حيث نجح في إجراء تغيرات أساسية في المعايير الدولية لحقوق الإنسان بعد أن ربط بين حقوق الإنسان وبين التنمية والديمقراطية، ولم تعد التنمية مجرد نمو اقتصادي بل أصبحت تمكينا للمواطن في الحصول على كل حقوقه، ومن هذا الأساس ربطت خطة التنمية المستدامة لعام 2030 بين التنمية وحقوق الإنسان.

وأضاف محمد فائق أنه قد لحق بهذا المؤتمر التاريخي عدة مؤتمرات أخرى هامة في مسيرة بطرس غالي داخل الأمم المتحدة من بينها المؤتمر الأول للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي عام 1995 في ألمانيا COP1.

وشدد رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، على أن بطرس غالي كان رجلًا وطنيًا، وظهر انتماؤه الكبير لوطنه العربي في موقفه الواضح من الصراع العربي الإسرائيلي أثناء وجوده داخل الأمم المتحدة، ووقف بشدة في صف القانون الدولي؛ وهو الأمر الذي أفقده إمكانية التجديد له لولاية ثانية على رأس الأمم المتحدة بسبب إصراره على نشر تقرير المراقبين الدوليين حول "مذبحة قانا" بجنوب لبنان (حيث استهدفت إسرائيل مجمع الأمم المتحدة فى قانا بجنوب لبنان والذى لجأ إليه نحو ألف مدني هربًا من الغارات الإسرائيلية، وقد سقط في هذه المذبحة عام 1996 العشرات من المدنيين)، ورفض كل الضغوط التي طالبته بعدم نشر التقرير، ما أثبت للعالم استقلالية هذا الرجل الذي لم يقبل المساومة ورفض الامتثال لمطلب الولايات المتحدة بحجب التقرير، وأصر على موقفه الأخلاقي العادل، واحترم المبادئ وأمانة المهمة المكلف بها.

وذكر محمد فائق أنه بالرغم من تصويت جميع أعضاء مجلس الأمن الـ14 على استمراره كأمين عام للأمم المتحدة لولاية ثانية، إلا أن الولايات المتحدة استخدمت حق الفيتو وأنهت ولايته وهي السابقة الأولى في الأمم المتحدة التي لا يمكث الأمين العام لمدتين.

وأكد المفكر السياسي الدكتور مصطفى الفقي، لوكالة أنباء الشرق الأوسط، أن بطرس غالي شخصية استثنائية في تاريخ مصر الحديث، لأنه جمع بين التميز الأكاديمي و الدبلوماسي، والتأثير الدولي والاهتمام الإفريقي، فكان جامعة للكثير من الاتجاهات، توجت جميعها بأرفع منصب دولي يناله إفريقي أو عربي وهو "أمين عام منظمة الأمم المتحدة".

وأضاف "عرفته على امتداد 50 عامًا، كأستاذ ووزير وأمين عام للأمم المتحدة، واقتربت منه كثيرًا، فهو شخصية وطنية مصرية حتى النخاع.. كان يدافع عن حقوق مصر في كل مناسبة وبقدر ما يستطيع، وحتى آخر لحظات عمره كان معنيًا بقضية السد الإثيوبي وحدثني عنها وكتب بشأنها.. كما كان له دور بارز في المؤتمرات والمحافل المختلفة".

ونوه بأن بطرس غالي كان أول أمين عام للمنظمة الدولية للفرنكوفونية بعد ترك منصب أمين عام الأمم المتحدة، ثم تولى رئاسة المجلس القومي لحقوق الإنسان، ويعد شخصية رفيعة مثقفة لعبت دورًا كبيرًا في الصحافة المتخصصة، فهو الذي أصدر "الأهرام الاقتصادي" و"مجلة السياسة الدولية".

وكشف الدكتور مصطفى الفقي أنه اقترح إصدار طابع بريد خاص يحمل صورة بطرس غالي في مئويته، مختتمًا "حتى نثبت للعالم أن بطرس غالي هو أيقونة مصرية ورمز يجب ألا ينسى على الإطلاق".

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة د. على الدين هلال، لوكالة أنباء الشرق الأوسط، "عرفت أستاذي د. بطرس غالي عن قرب على مدى أربعة عقود، وأشهد أن الرجل عبّر عن أفضل سجايا الوطنية المصرية، وعن حبه لمصر بالقول والعمل، وجمع في مسيرته بين الباحث العلمي والأستاذ الجامعي الذي أصدر العديد من الكتب التي مازالت مرجعا للباحثين، ورجل الدولة الذي خدم أهداف سياسة مصر الخارجية من خلال الدبلوماسية والمفاوضات، وجاب إفريقيا طولا وعرضا لتطوير علاقات مصر مع دولها".

وأضاف أن بطرس غالي تجاوز إسهامه المستويين الوطني والإقليمي، فكان أول مصري وعربي وإفريقي يتولى منصب الأمين العام للأمم المتحدة؛ ومن خلال هذا المنصب، دافع عن الدول النامية والفقيرة وحقها في التنمية، وطرح رؤية عالمية ربط فيها بين السلام والتنمية، ثم كان أول مصري وعربي يتولى منصب السكرتير العام لمنظمة الدول المتحدثة باللغة الفرنسية، مؤكدًا "لهذا ليس من المبالغة القول، أن بطرس غالي ترك تراثًا لا يموت".

من جهته، قال نائب وزير الخارجية السفير حمدي سند لوزا، في تصريح خاص لوكالة أنباء الشرق الأوسط، إن الحديث عن د. بطرس غالي وتأثيره على أجيال متعاقبة من الدبلوماسيين المصريين والعرب والأفارقة طويل، "ولكنني سأكتفي بـ3 وقائع: الأولى هي تشرفي في مستهل عملي الدبلوماسي بأن أول قمة إفريقية (قمة منظمة الوحدة الإفريقية حول مشكلة المديونية) وأول لجنة مشتركة (مع موزمبيق) شاركت فيها كانت ضمن وفد برئاسة د. بطرس غالي، وما زلت أتذكر رؤيته العميقة ومداخلاته القيّمة واتصالاته الرفيعة ومدى التقدير الذي يحظى به على الساحة الإفريقية".

وأضاف "ثانيًا حرصي على زيارته في مكتبه بالمجلس القومي لحقوق الإنسان فور تسلمي مهام منصبي نائباً لوزير الخارجية للشئون الإفريقية، وكان د. بطرس يشعر بأسى شديد من تعليق مشاركة مصر في أنشطة الاتحاد الإفريقي عام 2013 ولم يبخل على وزارة الخارجية بالنصائح والاتصالات، وبما في ذلك استقبال مبعوث الاتحاد (ألفا عمر كوناري)، والمساهمة في كافة الجهود التي أسفرت عن رفع قرار التعليق".

وتابع "ثالثًا، ما شعرت به عند زيارتي لدكتور بطرس غالي وهو على فراش المرض خلال الأيام الأخيرة قبل وفاته أنه - وإن كان من واجبي عدم الإطالة - لازالت لديه الرغبة في الاستماع لما تشهده العلاقات المصرية الإفريقية من تطورات".

واختتم نائب وزير الخارجية بأن كل من اقترب من د. بطرس غالي سيظل متأثرًا به ومديناً له وحريصاً على أن يساهم - ولو بشكل متواضع - في ترسيخ انتماء مصر الإفريقي وبناء السلام، وهي الرسالة التي كرس لها د.بطرس غالي حياته.

وأكد رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية السفير الدكتور منير زهران، لوكالة أنباء الشرق الأوسط، أن "بطرس غالي" كان أستاذًا بمعنى الكلمة وسياسيًا محنكًا، وتميز بإقامة علاقات وطيدة وصداقات مع كثير من الدبلوماسيين والسياسيين في إفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية.

وأوضح أن تلك العلاقات والصداقات الهامة فتحت له الكثير من الأبواب وساعدته في مهمته السياسية والدبلوماسية، كما يسرت له القيام بمهامه في إطار العلاقات الثنائية لمصر وكذلك الدولية، قبل أن يتولى منصب سكرتير عام الأمم المتحدة.

وتابع زهران أن احترام وتقدير العالم لبطرس غالي ساعده أيضًا في التصدي للحملة الشعواء التي قامت بها دول "جبهة الصمود والتصدي" بقمة "حركة عدم الانحياز" فى هافانا التى ترأسها فيديل كاسترو عام 1979، حيث استطاع بطرس غالي أن يدير معركة دولية تاريخية ونجح بحكمته وكفاءته في الحفاظ على مكانة وموقع مصر داخل الحركة .

ولفت رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية إلى أن اتصالات "بطرس غالي" مع قادة كثير من الدول وخاصة فرنسا ساعدته - بعد خروجه وعدم تجديد فترة تالية له بالأمم المتحدة - في تولي رئاسة منظمة الفرانكوفونية، ثم رئاسة المجلس القومي لحقوق الإنسان عقب عودته إلى مصر.

بدوره، أوضح رئيس مجلس أمناء مؤسسة "كيميت بطرس غالي للسلام والمعرفة" الأستاذ ممدوح عباس، وهو أيضًا أحد تلامذته ومحبيه من خريجي كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، أنه كان من الضروري تدشين مؤسسة معنية بالعلم والبحث تحمل اسم بطرس غالي - هذا المواطن العالمي الذي تتصدر صورته قائمة الشرف لمنصب الأمين العام داخل مبنى الأمم المتحدة - من أجل استثمار أفكاره ورؤياه ونقلها إلى الأجيال القادمة، والتذكير لاسيما بمساهماته في نشر ثقافة ترسيخ السلام، ولتعظيم أفكار "الدبلوماسية الوقائية" التي كان يدعو إليها غالي، من أجل منع وقوع الصدامات والنزاعات، فضلًا عن كونه صاحب فكرة "التعاون الثلاثي مع إفريقيا"، للمساهمة في نمو دول القارة.

وأضاف "بطرس غالي ترك لنا إرثًا عظيمًا، وكان لابد من الحفاظ عليه من أجل الأجيال القادمة؛ ومؤسسة (كيمت) تتيح الاستمرار في نشر مباديء ورسالة بطرس غالي فى السلام والمعرفة والدروس التي تعلمناها منه".

واختتم ممدوح عباس بأن الحفل السنوي للمؤسسة، والذي سيعقد هذا العام يوم 27 نوفمبر الجاري، سيكون استثنائيًا بمناسبة مرور 100 عام على ميلاد أيقونة مصر، بطرس بطرس غالي.