قال الرئيس عبدالفتاح السيسي إن مصر التي تعترف بحقوق أشقائها التنموية تعد من أكثر الدول جفافًا ويظـل شعبها تحت حد الفقر المائي، ويشكل نهر النيل شريان وجودها الوحيد عبر التاريخ وهو ما يفسر القلق العارم، الذي يعتري المواطن المصري إزاء سد النهضة الإثيوبي.
جاء ذلك في كلمة الرئيس السيسي التي ألقاها، مساء اليوم الثلاثاء، عبر تقنية "الفيديو كونفرانس" خلال الدورة ٧٦ للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأكد الرئيس السيسي أن مصر ترتبط ارتباطًا وثيقًا بواقعها الأفريقي الذي تعتز به كثيرًا والذي لا يرتبط فقط بموقعها الجغرافي، ولكنه يتصل عضويًا بوجودها ويهمني في هذا المقام إيضاح أن تحقيق التعاون بين دول القارة لن يتأتى من خلال تحديد طرف واحد لمتطلبات طرف آخر وإنما يتعين أن تكون تلك العملية متبادلة.
وأضاف "لعلكم تعلمون جميعًا، ما آلت إليه المفاوضات الدائرة منذ عقد من الزمن بين مصر وإثيوبيا والسودان جراء تعنت معلوم، ورفض غير مبرر، للتعاطي بإيجابية مع العملية التفاوضية في مراحلها المتعاقبة واختيار للمنهج الأحادي وسياسة فرض الأمر الواقع ما بات ينذر بتهديد واسع لأمن واستقرار المنطقة بأكملها".
وتابع الرئيس السيسي "تداركًا لعدم تطور الأمر إلى تهديد للسلم والأمن الدوليين لجأت مصر لمجلس الأمن للاضطلاع بمسئولياته في هذا الملف ودعم وتعزيز جهود الوساطة الأفريقية عن طريق دور فاعل للمراقبين من الأمم المتحدة والدول الصديقة ولا تزال مصر تتمسك بالتوصل – في أسرع وقت ممكن - لاتفاق شامل متوازن وملزم قانونًا حول ملء وتشـــغيل ســـد النهضة الإثيوبي حفاظًا على وجود "١٥٠" مليون مواطن مصري وسوداني، وتلافيًا لإلحاق أضرار جسيمة بمقدرات شعبي البلدين مستندين في ذلك، ليس فقط إلى قيم الإنصاف والمنطق ولكن أيضًا إلى أرضية قانونية دولية صلبة رسخت لمبدأ الاستخدام العادل والمنصف، للموارد المائية المشتركة في أحواض الأنهار الدولية".
وقال الرئيس عبدالفتاح السيسي إن اقتناعنا راسخة بأن التنمية تضم إطارًا شاملًا، لمجموعة واسعة من الحقوق اللازمة للنهوض بالفرد وتوفير سبل الحياة الكريمة للمجتمعات، ومن هذا المنطلق، طبقت مصر سياسات الإصلاح الاقتصادي التي مكنتنا من تنفيذ برامج اجتماعية طموحة، لصالح الفئات الأولى بالرعاية ونجحت في تحقيق أهداف التنمية المسـتدامة في مختلف محافظــات مصـــر.
وأوضح أن مصر قامت بتقليص التفاوت التنموي بين الريف والحضر وذلك انطلاقًا من إيماننا، بأن وصول الدولة المصرية بالخدمات الأساسية إلى كافة ربوع البلاد من شأنه أن يعزز المشاركة السياسية والمجتمعية كونه يخلق مناخًا صحيًا، يزدهر في إطاره الفكر الحر، وتنشط فيه حركة الإبداع فتدفع بعجلة التقدم إلى الأمام.
وأضاف الرئيس السيسي أن الظروف الراهنة إنما فاقمت واقعًا تكرس على مدى عقود وهو القصور في التعاون الإقليمي والدولي وعكست أهمية مراعاة توسيع نطاق الدعم الدولي للعالم النامي ليشمل مجموعة الدول متوسطة الدخل فالثقل السكاني لهذه المجموعة من الدول يمنحها أهمية محورية كونهــا تضم غالبية سكان العالـم لذا فهي مركز أساسي لاستهلاك السلع والخدمات على المستوى الدولي ومحرك رئيسي للنمو الاقتصادي العالمي.
وقال "إنه على ضوء التحرك الدولي لإصدار ما قيمته نحو "650" مليار دولار من حقوق السحب الخاصة في إطار صندوق النقد الدولي ترى مصر أهمية بالغة في استطلاع السبل الملائمة لتوظيف هذه الموارد لخدمة احتياجات العالم النامي بما يشمل الدول منخفضة ومتوسطة الدخل".
وأضاف الرئيس السيسي في هذا الإطار، تدعو مصر إلى تخفيف أعباء الديون عن الدول النامية وخاصة الأفريقية والدول متوسطة الدخل وتيسير شروط الاقتراض من المؤسسات الدولية والإقليمية من خلال إمدادها بأدوات للتمويل الميسر وتشجيع الاستثمارات وضمان استمرار تدفقها إلى هذه الدول لما تمثله هذه الإجراءات من عامل حيوي في دعم الجهود الوطنية للتنمية وفقًا للأجندات التنموية الإقليمية والدولية ذات الصلة.
وقال الرئيس السيسي إن مصر تحرص على تعزيز حقوق الإنسان لمواطنيها وتبذل لتحقيق هذه الغاية جهودًا حثيثة في إطار من احترام مبادئ المواطنة وسيادة القانون وتدرك الدولة المصرية تمامًا أن الإنسان المصري يأتي في القلب من منظومة التنمية الشاملة، التي تحرص على تنفيذها إعلاءً لكرامته وضمانًا لحقوقه وحرياته.
وأكد أن منظومة حقوق الإنسان مؤخرًا في مصر عكست تطورًا جليًا اتصالًا بما يتضمنه الدستور المصري وتعديلاته من مواد تضمن الحقوق والحريات العامة وما لذلك من انعكاسات على تحديث التشريعات ذات الصلة ولعل "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان" التي أطلقتها مصر منذ أيام بناءً على تشاور مجتمعي وبمساهمة المجتمع المدني هي خير دليل على المقترب الشامل والبناء الذي تنتهجه بلادي إزاء موضوعات وقضايا حقوق الإنسان.
وشدد الرئيس السيسي على أن انتخاب مصر لرئاسة الدورة الحالية الخامسة عشرة، للجنة الأمم المتحدة لبناء السلام جاء ليكلل مسيرة متواصلة من الإسهام المصري الفاعل لتعزيز وتفعيل هيكل الأمم المتحدة لبناء السلام، منذ إنشائـه عام ٢٠٠٥ كما يجسد ثقة المجتمع الدولي، في قدرة مصر على قيادة الجهود الأممية في هذا الشأن على ضوء إحرازها المرتبة السابعة، بين الدول المساهمة بقوات عسكرية وشرطية - رجالًا ونساءً - في عمليات حفظ السلام الأممية.
وقال الرئيس السيسي إن الإرهاب يظل من أكبر التحديات التي تواجه الأسرة الإنسانية في عصرنا الحالي حيث تنتهك هذه الظاهرة الحقوق الأساسية للمواطنين وفى مقدمتها الحق في الحياة وتعيق جهود الحكومات نحو بلوغ الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لشعوبها؛ لذلك تشدد مصر، على أنه لا يمكن القضاء على الإرهاب إلا من خلال مواجهة الفكر التكفيري والمتطرف، المتسبب في تلك الظاهرة البغيـضة وذلك في إطار مقـاربة شاملة لا تقتصر فقط على المواجهة الأمنية للإرهابيين وتنظيماتهم بل تشمل أيضًا أبعادًا اقتصادية واجتماعية وتنموية وفكرية تجفف منابع الإرهاب، وتعالج الظروف والعوامل التي تدفع البعض إلى هذا الطريق الإجرامي وهي مقاربة كما تتطلب جهدًا وطنيًا فإنها تستلزم تعاونًا دوليًا.
ومن هنا، أود تأكيد أهمية احترام كافة الدول، لالتزاماتها بموجب القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وشدد الرئيس في هذا الصدد، على أهمية محاسبة الدول التي ترعى الإرهاب وتحتضن عناصره بمن في ذلك المقاتلون الإرهابيون الأجانب وتوفر لهم الملاذ والدعم أو تسهل انتقالهم عبر أراضيها بما يهدد السلم والأمن الدوليين.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أوضح الرئيس عبدالفتاح السيسي أن مصر أكدت مرارًا أنه لا سبيل لاستقرار الشرق الأوسط، دون التوصل إلى حل عادل ودائم وشامل للقضية الفلسطينية التي كانت ومازالت القضية المركزية للأمة العربية، وذلك عبر التفاوض استنادًا إلى مقررات الشرعية الدولية لإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصــــــمتها "القــــدس الشــــــرقية".
وأشار إلى أنه من هذا المنطلق، تؤكد مصر أهمية تثبيت وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في ۲۰ مايو ۲۰۲۱ كما تدعو مصر المجتمع الدولي لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين الأوضاع المعيشية للشعب الفلسطيني، وإيصال المساعدات الإنسانية إليه وحث الأطراف المانحة على دعم وكالة "الأونروا" تمهيدًا للقيام بعملية إعادة الإعمار في قطاع "غزة" أخذًا في الاعتبار ما أعلنته مصر من تخصيص "٥٠٠" مليون دولار لإعادة الإعمار.
ونوه إلى أن منطقة الشرق الأوسط، كما تتسم بموقع استراتيجي فريد فإنها تحتل أيضًا موقعًا متقدمًا على قائمة مناطق العالم الأكثر اضطرابًا مما يضيف إلى التحديات العالمية المشتركة التي تواجهها دول المنطقة تحديات أخرى ذات خصوصية بدولها إذ بات مفهوم الدولة الوطنية القوية المتماسكة مهددًا بعوامل اضطراب متعددة يكمن جوهرها في الانقسام والتشرذم بأنواعه المختلفة سواءً كان طائفيًا أو سياسيًا أو عرقيًا مما يجعل دولًا غنية بمواردها الطبيعية وتاريخها وحضارتها العــــريقـة، كـ"العراق" الشــقيق أو بثقافتها وتنوعها الديني والعرقي، كـ"لبنان" و"سوريا" أو بمواردها وثرواتها وموقعها المتميز، کـ"ليبيا" أو بموقعها الاستراتيجي، كـ"اليمن" تعاني كل هذا الكم من التحديات الضخمة وهو ما يؤكد أنه لا غنى عن إعلاء مفهوم الدولة الوطنية الجامع الذي لا يفرق بين أبناء الوطن الواحد ويحول دون التدخل في الشئون العربية.
ووجه الرئيس السيسي ، التهنئة للسيد عبدالله شاهد، رئيس الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، بمناسبة توليه رئاسة هذه الدورة للجمعية العامة للأمم المتحدة راجيًا له النجاح والتوفيق في أعماله.
وأشاد الرئيس السيسي بالدور البناء، الذي يقوم به السكرتير العام للأمم المتحدة عبر سعيه الدؤوب لتنفيذ مبادئ ميثاقها الذي ظل دستورًا للعلاقات الدولية، ومرجعًا لها لما يتجاوز خمسة وسبعين عامًا ويبقى أملًا في تكريس نظام عالمي قائم على القانون، والعمل على إرساء السلام.
وأشار بشكل خاص إلى ما يمثله العمل متعدد الأطراف من أهمية بالغة تتضاعف مع مرور الزمن نظرًا لزيادة التحديات وتنامي المخاطر، ونشوء مصاعب مستجدة على عالمنا فيظل العمل متعدد الأطراف وسيلة للنجاة من احتدام المواجهات وتصاعد الخلافات.
وقال الرئيس السيسي، في ختام كلمته، إن ما يشهده عالمنا اليوم من تحديات متتالية يحتم علينا أن تكون لنا وقفة مراجعة تهدف إلى تسخير الموارد اللازمة لمواجهتها كأولوية متقدمة حفاظًا على الإنســـانية بأسـرها هذا نداء توجهه مصر إلى أشقائها في الإنسانية دعونا نتكاتف لننقذ أنفسنا قبل فوات الأوان، معتمدين في تحقيق هدفنا على قوة المنطق لا على منطق القوة.
الرئيس السيسي: مصر تتمسك بالتوصل في أسرع وقت ممكن لاتفاق شامل متوازن وملزم قانونًا حول ملء وتشـــغيل سد النهضة
مصر/الرئيس السيسي/كلمة/مصر
You have unlimited quota for this service