القاهرة في 14 أغسطس /أ ش أ/ أكد اللواء محمد إبراهيم الدويري نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن مصر لا تزال تمثل المحور الرئيسي للتوازن والاستقرار في المنطقة في ضوء ما تتمتع به من علاقات جيدة مع جميع الأطراف ولا تحركها أية مصالح خاصة مع أي جانب في أي نزاع.
وكتب اللواء الدويري، في مقالة بعنوان "الشرق الأوسط على صفيح ساخن" نشرت على موقع المركز اليوم السبت، أن منطقة الشرق الأوسط لا تزال تعاني من كافة أنواع الصراعات والتوترات التي تدفع المنطقة إلى أن تكون بالفعل على صفيحٍ ساخن.
ورأى أن هذه التوترات والقلاقل سوف تستمر في المنطقة لفترةٍ طويلة بل سوف تستجد مشكلات أخرى مستقبلاً ليس فقط لكونها منطقة استراتيجية تتصارع فيها مصالح القوى الكبرى بلا رحمة، ولكن أيضاً لأن حل العديد من مشكلات المنطقة لا زال يتطلب إرادةً سياسيةً قوية من زعاماتها وشعوبها، تلك الإرادة القادرة على أن تساهم في تسوية نزاعاتها في مواجهة التدخلات الخارجية التي تزيد من عمق هذه الأزمات .
وأشار إلى مثالٍ واحدٍ للتدليل على مدى أهمية التعامل العربي الموضوعي مع بعض هذه الأزمات، منوهًا في هذا الصدد تحديداً بالتعامل المصري مع الأزمة الليبية حيث تحركت مصر منذ البداية بشكلٍ إيجابي وأكدت مراراً أن هذه الأزمة لن يتم حلها إلا من خلال تسوية سياسية ليبية / ليبية وأن الشعب الليبي وقيادته هم الأقدر على نقل هذه الأزمة من مرحلة التدهور إلى مرحلةٍ يمكن أن تجد فيها فرصاً أفضل للحل وأن الإرادة السياسية الليبية سوف تكون في النهاية هي الفيصل.
وأوضح أنه لا يعني بذلك التحييد أو التغييب الكامل لأدوار القوى الخارجية في مثل هذه الأزمات، مؤكدًا على ضرورة أن تساعد مثل هذه الأدوار على تسهيل التوصل إلى التسوية السياسية وليس تعقيد فرص حلها وإلا سوف تظل تدور في حلقةٍ مفرغة بل يمكن وصف هذه الأدوار في هذه الحالة بأنها مشبوهة ومعوقة .
ورأى أنه وإذا نظرنا إلى الوضع الحالي في منطقة الشرق الأوسط سوف نجد أن هناك بعض المحددات التي يمكن أن ترسم لنا صورة واقعية لهذا الوضع الصعب.
ورصد اللواء محمد إبراهيم في هذا المجال المحددات التسعة التالية:
" –المحدد الأول : أن الوضع العربي بصفة عامة لا يزال يعاني من كافة المشكلات التي شهدها منذ فترة طويلة دون أن تكون هناك في الأفق أية إمكانيات لحلٍ نهائي مقبول لأي من هذه الأزمات .
المحدد الثاني: أن القوى الخارجية المنخرطة في أزمات المنطقة تتحرك في إطار واحد فقط وهو كيفية الحفاظ على مصالحها حتى لو تطلب الأمر مزيداً من تدخلها المباشر وغير المباشر غير عابئة بمصالح شعوب المنطقة، كما أن هذه القوى حتى وإن ادعت أن تدخلها يهدف إلى إنهاء هذه الأزمات فإنه من الواضح أنها لا تبذل الجهد الكافي لحل أي منها .
المحدد الثالث: استثمار إسرائيل للأوضاع العربية الحالية من أجل التوجه نحو مزيدٍ من تطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية وخاصة المغرب والبحرين والإمارات دون أن تقدم أية تنازلات في القضية الفلسطينية التي تراوح مكانها بل تتراجع فرص حلها بفعل التشدد والتجاهل الإسرائيلي لعملية السلام والتقاعس الدولي والانقسام الفلسطيني.
المحدد الرابع: تزايد الدور الإيراني في المنطقة خاصة في أعقاب انتخاب الرئيس الإيراني الجديد "إبراهيم رئيسي" رجل الدين المحافظ والمقرب من المرشد الأعلى على خامنئي، وأصبح هذا الدور يتطور إلى درجة أنه لا يتورع عن الاشتباك في بعض الأعمال العسكرية دون اكتراث بالنتائج المترتبة على ذلك.
المحدد الخامس: سعي تركيا إلى تثبيت نفوذها في المناطق الموجودة بها مع محاولة كسب مناطق نفوذ جديدة في الدول التي تدعي أنها تمثل مجالاً حيوياً لها، ومن ثم فإن هذا الدور التركي يعتبر دوراً هاماً في تعميق المشكلات المثارة في هذه المناطق العربية.
المحدد السادس : استمرار قضية "السد الإثيوبي" دون وجود حلول نهائية تتوائم مع مطالب موقفي دولتي المصب ( مصر والسودان) والمتمثلة في ضرورة التوصل إلى اتفاق شامل وقانوني وملزم بشأن عملية ملئ وتشغيل السد، في الوقت الذي تواصل فيه إثيوبيا رفضها للتوصل لهذا الاتفاق الذي ينادي به المجتمع الدولي، وقد تلاحظ مؤخراً أن المجتمع الدولي بدأ يركز بشكلٍ واضح على الأوضاع الداخلية في إثيوبيا وخاصة ما يتعرض له إقليم التيجراي من مشكلات إنسانية أكثر من اهتمامه بقضية السد وهو الأمر الذي نعيه جيداً.
المحدد السابع : أن التطورات المتسارعة للموقف في أفغانستان يمكن أن تنعكس سلباً على الأوضاع الأمنية في المنطقة خاصة مع استمرار حركة طالبان في السيطرة على العديد من المدن الأفغانية وذلك في أعقاب انسحاب القوات الأمريكية مؤخراً من أفغانستان وعدم قدرة الحكومة الأفغانية على مواجهة تقدم هذه الحركة.
المحدد الثامن: إمكانية عودة الإرهاب إلى المنطقة خلال المرحلة القادمة في ضوء محاولات إحياء نشاط تنظيم داعش في بعض المناطق في كل من العراق وسوريا ، وفي نفس الوقت فإن وضعية التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء سوف تنعكس أيضاً على الأوضاع الأمنية في المنطقة.
المحدد التاسع : أن مسألة التوصل لاتفاق نووي جديد بين كل من إيران والولايات المتحدة ( مفاوضات فيينا التي تجري بوساطة الاتحاد الأوروبي) أو بعبارة أخرى إعادة إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 سوف تلقي بظلالها على الأوضاع في المنطقة حتى يتم حسم هذه القضية سلباً أم إيجاباً" .
وتابع: "انه وإذا حاولنا تطبيق هذه المحددات التسعة على الوضع العربي الراهن سوف نجد ما يلي :
- المشكلات التي تعاني منها المنطقة العربية وعلى رأسها بالطبع القضية الفلسطينية لا تزال قائمة ولا توجد في الأفق أية مؤشرات على اقتراب الحل النهائي لها لا سيما بالنسبة للأزمتين السورية والليبية، ونشير في هذا المجال إلى استمرار تعثر المحاولات والاجتماعات الليبية والأممية حتى الآن والتي تهدف إلى إقرار القاعدة الدستورية لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة في ديسمبر من العام الحالي 2021 .
– الأوضاع في كل من العراق والسودان لا تزال تشهد مظاهر عدم الاستقرار المنشود رغم كافة المحاولات التي تبذلها القيادتان السياسيتان في كل من بغداد والخرطوم من أجل دعم أمن وسلامة وتقدم البلدين.
– الموقف في اليمن لا يزال يخضع لأهداف ومخططات من جانب الحوثيين والقوى المساندة لهم دون أن نلاحظ أن المبادرات الإقليمية والدولية المطروحة للحل يمكن أن تجد طريقها للتنفيذ في المرحلة القريبة القادمة .
– هناك دول عربية أخرى بدأت تدخل ما يمكن أن أسميه "حزام عدم الاستقرار" وتشهد هذه الدول قدراً ملحوظاً من التوتر وتزايد المشكلات الداخلية خاصة في كل من لبنان وتونس الجزائر، وبالرغم المحاولات التي تبذلها قيادات هذه الدول للسيطرة على هذه الأوضاع المتردية إلا أن التوترات لا تزال قائمة وقد تتزايد تأثيراتها في أي وقت .
– التوتر القائم بين كل من إسرائيل وإيران يزداد تعقيداً خاصة مع تصاعد ما يمكن تسميته بـ"حرب السفن" والتي كان آخرها تعرض السفينة "ميرسر ستريت" التابعة لإحدى الشركات الإسرائيلية لهجوم بطائرة مسيرة في بحر عُمان ، مع توجيه كل من إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا الاتهام لإيران بتنفيذها هذا العمل الذي أصبح تكراره يهدد الملاحة في الممرات الدولية (حدوث أكثر من 20 هجوم على سفن مدنية منذ عام 2019 بواسطة ألغام وطائرات بدون طيار وقوات كوماندوز وهو ما أطلق عليها البعض “حروب الظل” بين إسرائيل وإيران).
– توتر الأوضاع بين إسرائيل وحزب الله وإطلاق الأخير خلال الأيام الماضية مجموعة من الصواريخ على مدن الشمال الإسرائيلي في سابقة لم تحدث بهذا الشكل منذ فترةٍ طويلة وهو الأمر الذي يهدد بانتهاء الهدوء الذي ساد هذه المنطقة، وهو نفس الأمر الذي يمكن أن ينطبق على الوضع غير المستقر بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة".
وأكد اللواء محمد إبراهيم أنه رغم هذه التوترات التي تشهدها المنطقة والتي تنبئ في بعض الأوقات بإمكانية انفجار الوضع بين بعض الأطراف خاصة بين كل من إسرائيل والولايات المتحدة من ناحية وبين إيران من ناحية أخرى، إلا أن الواقع يشير إلى أن مسألة تفجر الأوضاع في المنطقة تعد مستبعدة إلى حدٍ كبير في الوقت الراهن لا سيما وأن كافة القوى المتداخلة في أزمات المنطقة أصبحت تحقق أهدافها دون أن تلجأ إلى خيار الحرب أو تفجير شامل للوضع ، "وفي تقديري أيضاً استمرار بعض هذه التوترات حتى يتضح في الأفق مستقبل الاتفاق النووي مع إيران" .
وأضاف أنه وفي نفس الوقت فقد أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة تركز اهتماماتها الخارجية خلال هذه المرحلة على مستقبل علاقاتها مع كل من الصين وروسيا كأولوية أولى، أما فيما يتعلق بمشكلات منطقة الشرق الأوسط فإن المبدأ الذي تتبناه الإدارة الحالية يتمثل في الحفاظ على الأوضاع الراهنة والتركيز على معالجة الجوانب الإنسانية مع تحجيم أي تصعيد ممكن حدوثه حتى لا يؤثر على المصالح الأمريكية في المنطقة وهو ما نجحت فيه إدارة الرئيس بايدن حتى الآن.
وتابع :"ولكن السؤال الذي يظل مطروحاً يتمثل في كيفية إحكام المجتمع الدولي السيطرة على هذه التوترات المتكررة ومنع تفاقمها ؟ وهو الأمر الذي لا يمكن لأي قوى أن تضمنه مستقبلاً ."
وشدد على انه وفي خضم هذه التوترات والسمات التي تميز بها الوضع العربي والإقليمي يمكن أن نصل إلى خلاصة مفادها أن مصر لا تزال تمثل المحور الرئيسي للتوازن والاستقرار في المنطقة في ظل ما تتمتع به من علاقات جيدة مع جميع الأطراف ولا تحركها أية مصالح خاصة مع أي طرف من أطراف النزاع ، بل أن القيادة السياسية المصرية حريصة كل الحرص على أن تطرح رؤى عملية ومرنة لحل هذه الأزمات سواء بشكل منفرد أو بالتنسيق مع المجتمع الدولي حتى في القضايا التي ترتبط تماماً بالأمن القومي المصري مثل قضيتي السد الإثيوبي والأزمة الليبية.
وقال إن القيادة السياسية المصرية تسعى إلى بلورة ما يسمى بـ"التحالفات الاستراتيجية" مع بعض الدول العربية الشقيقة بما فيها بالطبع بعض دول الخليج العربي من أجل تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة وذلك في ظل القناعة بأن هذه التحالفات قادرة على تحقيق مصالح الدول الأعضاء فيها ودعم استقرارها من خلال استمرار التنسيق المتواصل بينها وتطبيق سياسة التكامل الاقتصادي والعسكري والأمني وليس في المجال السياسي فقط .
واختتم اللواء محمد إبراهيم مقالته بأنه وبالرغم من هذه الجهود المسبوقة التي تبذلها القيادة المصرية على المستويين الإقليمي والدولي والتحرك الدؤوب من أجل دعم الاستقرار بمفهومه الشامل في المنطقة، إلا أن هذا التوجه يظل في حاجة إلى جهدٍ عربي ودولي لدعم هذه التحركات المصرية من أجل تحقيق تسويات سياسية لأزمات المنطقة قدر المستطاع وبما يحقق مصالح شعوب المنطقة في الأساس حيث أنه بدون هذه الحلول السياسية سوف يظل الشرق الأوسط على صفيح ساخن لفتراتٍ طويلة قادمة ولن يتضرر في هذه الحالة إلا الوضع العربي الذي لا زلنا نأمل أن يتحسن ولو قليلاً .
ج أ ش
أ ش أ
اللواء محمد إبراهيم: مصر تمثل المحور الرئيسي للتوازن والاستقرار بالمنطقة
مصر/مقال/سياسة خارجية/الشرق الأوسط/مصر
You have unlimited quota for this service