القاهرة في 28 أكتوبر /أ ش أ/ تحليل كتبه: شحاتة عوض (مركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط)
تبدو عملية قتل أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم (داعش) الإرهابي في غارة نفذتها قوات أمريكية خاصة الليلة قبل الماضية على مخبئه بإحدى قرى محافظة إدلب السورية قرب الحدود مع تركيا، محملة بالكثير من الدلالات والرسائل السياسية، سواء من حيث تسميتها أو توقيتها أو من حيث ردود الفعل الدولية والإقليمية عليها.
كما يطرح التخلص من المطلوب رقم واحد عالميا، والذي رصدت الولايات المتحدة ملايين الدولارت للوصول إليه، تساؤلات عديدة حول مستقبل تنظيم (داعش) الإرهابي بعد مقتل زعيمه، وهل يعني ذلك اختفاء هذا التنظيم ومن ثم انتهاء خطره على الأمن والاستقرار في دول المنطقة والعالم أم أنه سيظل طالما بقيت العقيدة والأفكار المتشددة التي يستند اليها أنصاره ومؤيديه؟.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يُعلن فيها عن مقتل أو تصفية زعيم تنظيم (داعش)، إذ سبق وأن أعلن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عن ذلك أكثر من مرة ليتبين لاحقا أن الرجل لايزال على قيد الحياة، لكن هذه المرة نجحت القوات الأمريكية بمساعدة أطراف إقليمية ودولية قدمت الدعم المعلوماتي والاستخباراتي لها في تحديد موقع البغدادي بدقة، وذلك باعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في بيانه الذي زف فيه خبر مقتل البغدادي في مكان اختبائه بقرية "باريشا" شمال مدينة إدلب في سوريا.
وقد كان لافتا الاسم الذي أطلقته القوات الأمريكية على عملية قتل البغدادي هو "كايلا مولر"، إحدى ضحايا التنظيم الإرهابي، وهي المواطنة الأمريكية كايلا مولر التي كانت تعمل في مجال الإغاثة الإنسانية لمتضرري الحرب في سوريا، والتي احتجزها تنظيم (داعش) لعدة سنوات قبل أن يعلن عن مقتلها، إذ يرى مراقبون أن هذا الاسم لا يخلو من رسائل مهمة، حيث أرادت الولايات المتحدة من خلاله التأكيد على أنها تثأر بقتل البغدادي لكل الضحايا الأبرياء الذين قتلهم هذا التنظيم الإرهابي المتوحش.
وقد وصف ترامب، في بيانه، مقتل زعيم تنظيم (داعش) الإرهابي بأنه "حدث مهم جدا"، مؤكدا أن العالم أصبح أكثر أمنا بعد مقتله.. أما من حيث توقيت عملية قتل البغدادي فإنها تثير الكثير من التساؤلات حول ما إذا كان له علاقة بالحسابات السياسية الداخلية للرئيس الأمريكي، ربما ارتبط توقيت تنفيذ عملية قتل البغدادي بتوافر معلومات استخباراتية دقيقة ومؤكدة ساعدت على تحديد مكان اختباء الرجل بدقة ومن ثم استهدافه بنجاح، لكن ذلك لا ينفي أن الحسابات السياسية لترامب تبدو حاضرة بقوة في توقيت العملية وطريقة الإعلان عنها، إذ لا يمكن النظر إلى قتل البغدادي في هذا الوقت تحديدا بعيدا عن حسابات ترامب الذي يستعد لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة على أمل الفوز بولاية ثانية العام القادم، والذي سيسعى لاستغلال هذا الإنجاز الأمني الكبير بكل قوة من أجل تعزيز موقفه الانتخابي في مواجهة خصومه الديمقراطيين الذين يشككون في قدرته على حماية أمن ومصالح الولايات المتحدة.
ولابد من الإشارة هنا إلى أننا أمام سيناريو مشابه إلى حد كبير لتوقيت عملية قتل زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن في شهر مايو عام 2011، والذي كان عاما انتخابيا مهما للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، والذي استغله بقوة في عملية إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية عام 2012.
كذلك فإن قتل البغدادي يشكل ورقة مهمة في يد ترامب، الذي يخوض حاليا معركة صعبة مع الديمقراطيين في الكونجرس ويتعرض لانتقادات حادة من قبل الأوساط السياسية الأمريكية على خلفية قراره الأخير بالانسحاب من سوريا، والذي وُصف بأنه "قرار كارثي" بالنسبة للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فقتل البغدادي يمنح ترامب فرصة ليقول لخصومه إنه كان على صواب وإن سحب الجنود الأمريكيين من سوريا لا يعني وقف الحرب على (داعش) وأنصاره.
أما على صعيد ردود الفعل الدولية والإقليمية على عملية قتل البغدادي، فإنه وفي مقابل الترحيب الأوروبي والدولي بما حدث فقد كان الموقف الروسي لافتا في هذا الصدد، حيث قللت موسكو من أهمية الإعلان عن مقتل زعيم (داعش) على يد القوات الأمريكية، معتبرة أن (داعش) قد هزم على الأرض بالفعل في سوريا علي يد القوات السورية بدعم وإسناد روسي، ويمكن تفهم ذلك الموقف الروسي مما جرى في ضوء التنافس الجيوسياسي الحاد مع الولايات المتحدة في المنطقة، ومن ثم فإن موسكو لن تكون حريصة على تقديم ما جرى باعتباره انتصارا أمريكيا عظيما.
ومن جانلها، لم تفوت إيران، التي تشكل خصما لدودا للولايات المتحدة، فرصة الإعلان عن مقتل البغدادي للتشكيك في تأثير ذلك على مستقبل الإرهاب في المنطقة واتهام الولايات المتحدة بأنها أكبر داعم للإرهاب وأنها أحد أهم اسباب انتشاره وتمدده.
وفيما يخص تداعيات مقتل البغدادي على مستقبل تنظيم (داعش)، فالمؤكد أن تصفيته تشكل ضربة موجعة للغاية من الناحية المعنوية للتنظيم وأتباعه، لاسيما وأنها تأتي بعد الهزيمة الساحقة التي تعرض لها التنظيم وسقوط دولته وفقدانه لكل المناطق التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا، فرغم أن البغدادي أصبح في الأشهر الأخيرة عاجزا عن التواصل مع أنصاره ومعزولا في آخر معاقل (داعش) قبل لجوئه إلى القرية التي قتل فيها إلا أن مجرد وجوده على قيد الحياة كان يمثل أهمية رمزية للتنظيم وأنصاره ومن ثم فإن مقتله سيعمق من حالة الهزيمة التي يعيشها التنظيم في سوريا والعراق.
والمؤكد أيضا أن اختفاء البغدادي لا يعني اختفاء (داعش) أو هزيمته الكاملة كما يروج الرئيس الأمريكي في خطاباته، إذ أن (داعش) بكل ما يمثله من وحشية وظلامية يمثل فكرة أكثر من كونه تنظيما إرهابيا، وهي فكرة تبدو ملهمة للكثيرين من أنصار التنظيم.. وهنا يكمن الخطر الذي سيظل باقيا طالما بقيت الفكرة.
مستقبل داعش بعد مقتل أبو بكر البغدادي.. ضربة "قاتلة " لكنها ليست "مميتة"
مصر/مستقبل داعش بعد مقتل البغدادي/سياسي
You have unlimited quota for this service