القاهرة في 12 مايو / أ ش أ / مجدي أحمد ... مركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط
تحيي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة " اليونسكو" غدا المؤتمر الدولي بشأن المياه 2019 تحت عنوان " توطيد التعاون بين القطاعات لتحقيق استدامة الأمن المائي والنهوض بالسلام " ، حيث يهدف المؤتمر إلي تعزيز الإدارة المشتركة للموارد المائية بين مختلف القطاعات ؛ وتأكيد أهمية التعاون الوطيد بين العلوم المختلفة لدعم الدول الأعضاء في تحقيق أهداف جداول الأعمال الدولية المتعلقة بالمياه ؛ وتبادل الممارسات الجيدة التي تمكن من المشاركة والشفافية وتشاطر المعلومات. وسيضم المؤتمر الذي سيستمر لمدة يومين عدداً من الوزراء القادمين من قرابة 40 دولة ، بالإضافة إلى نخبة من الخبراء والباحثين وممثلين عن المجتمع المدني والقطاع الخاص والمنظمات الدولية. وستستعرض سمو الأميرة سمية بنت الحسن (الأردن)، مبعوثة اليونسكو الخاصة للعلم من أجل السلام، خلال الجلسة الختامية للمؤتمر، مساعي اليونسكو لتعزيز إحداث تحول نموذجيّ يتمثل في كون المياه القوة الدافعة لتحقيق السلام والتنمية المستدامة.
وقد أشارت " أودري أزولاي" المديرة العامة لليونسكو في هذا الصدد، أنه نظراً إلى أن الحصول على المياه ليس مجرد مسألة تنموية. فهو وقبل أي شيء آخر، حق أساسي وأداة لتحقيق السلام والأمن في العالم ، فمن الضروري اتباع نهج شامل يضم كل قطاعات المجتمع . وسيقدم المؤتمر حلولاً مبتكرة للمشاكل المتعلقة بحوكمة وإدارة الموارد المائية الضعيفة. وستكون المكانة التي تشغلها مسألة المياه في إطار التعاون الدولي في مقدمة المواضيع التي سيتناولها المؤتمر. واستناداً إلى الباع الطويل لليونسكو في مجال العلم والثقافة والتربية والاتصال، سيتخلل المؤتمر حلقة نقاش رفيعة المستوى بشأن قضية المياه، وجلسة بشأن الروابط القائمة بين الطاقة والمياه في أفريقيا، وذلك بالإضافة إلى مجموعة من حلقات النقاش المواضيعية التي ستتمحور حول الأدوار المتنوعة للمياه في ميادين مختلفة، مثل: المياه والتكنولوجيا والابتكار، وأخلاقيات المياه، والمياه والتراث، والمياه وقضايا الجنسين.
ويعد الماء من العناصر الأساسية التي تدخل في جميع الأنشطة البشرية تقريباً، سواء أنشطة إنتاج الغذاء أو توليد الطاقة أو الصناعة أو حتى الأنشطة الترفيهية. وعليه٬ تؤثر إدارة المياه وحوكمتها على صحة البشر والنظم الإيكولوجية، وتجسد حالة المساواة بين الجنسين والظروف التعليمية والتنوع الثقافي في كل منطقة. وتعد الموارد المائية أيضاً ضرورية لتحقيق التنمية المستدامة والحد من الفقر. وتظهر صور الأقمار الاصطناعية الملتقطة من الفضاء، الكميات الوفيرة من المياه التي تميز الأرض عن غيرها من الكواكب. ومع ذلك، فإن أقل من 1 % من هذه المياه العذبة الصالحة للاستعمال.
وكان برنامج اليونسكو الهيدرولوجي الدولي قد أطلق بوابة الكترونية عالمية جديدة لجودة المياه في عام 2018، ويقدم من خلالها معلومات بشأن جودة المياه العذبة على الصعيد العالمي باستخدام بيانات استشعار عن بعد. فإن جودة المياه تؤثر على صحة الإنسان بالإضافة إلى النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي والإنتاج الغذائي والنمو الاقتصادي. ويعد تحسين جودة المياه حول العالم ضرورياً من أجل التنمية المستدامة. إلا أن المعلومات الموثوقة شحيحة، لا سيما في المناطق النائية والبلدان النامية، حيث أن هناك نقص بشبكات وقدرات الرصد. حيث تعالج البوابة حاجة ملحة لتعزيز قاعدة المعارف والوصول إلى المعلومات من أجل تحقيق فهم أفضل لتأثيرات تغير المناخ الناجم عن النشاط البشري على الأمن المائي. كما ستسهل عملية صنع القرار المستنيرة القائمة على أساس علمي في إطار إدارة المياه، بالإضافة إلى دعم جهود الدول الأعضاء الرامية إلى تنفيذ الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة والمعني بالمياه والنظافة الصحيّة، إلى جانب عدد من الأهداف والمقاصد المتصلة اتصالا مباشراً مع جودة المياه وتلوّثها.
وتقدم البوابة الالكترونية التي طورت في إطار المبادرة الدولية لبرنامج اليونسكو الهيدرولوجي الدولي لجودة المياه، معلومات بشأن خمسة مؤشرات رئيسة لوضع جودة المياه، وهي: التعكر وتوزيع الترسبات، والكلوروفيل، وتكاثر الطحالب الضارة، والامتصاص العضوي ودرجة حرارة السطح. كما تقدم هذه المؤشرات معلومات بشأن تأثير القطاعات الأخرى واستخدامات الأرض مثل المناطق الحضرية، واستخدام الأسمدة في الزراعة، وتغير المناخ أو السدود، وإدارة الخزانات. فعلى سبيل المثال، يعد تتبع تغيرات التعكر (مدى تشتت الضوء بسبب الجزيئات في الماء) مفيداًعند رصد أعمدة الرواسب من نشاطات الحفر والملئ. هذا ويعد الكلوروفيل من الأصباغ الموجودة في خلايا العوالق النباتية، في حين أن مؤشر تكاثر الطحالب الضارة يظهر المناطق المحتمل تأثرها بهذه الطحالب الضارة الناتجة عن البكتيريا الزرقاء التي تحتوي على صبغة الفيكوسيانين ((phycocyanin. كما تستخدم البوابة بيانات بصرية من الأقمار الصناعيّة متاحة للجميع، ونظام حسابي برمجي تم تطويره من قبل شركة EOMAP الألمانية.
وتقدم بوابة المبادرة الدولية لجودة المياه بيانات متسلسلة زمنياً لسبعة أحواض نهرية وموارد مياه سطحية في جميع أنحاء العالم، تقوم برصد المؤشرات الخمسة منذ يناير 2016. وأحواض ومناطق العرض هي: بحيرة سيفان في جبال القوقاز (أرمينيا وأذربيجان)؛ وسد إيتايبو وحوض بارانا المائي (الأرجنتين، البرازيل، الباراغواي)؛ بحيرة مكلنبورغ (ألمانيا)؛ نهر النيل وسد أسوان (مصر، السودان)؛ دلتا ميكونغ (الفيتنام)؛ بحيرات فلوريدا (الولايات المتحدة الأمريكية)؛ حوض نهر زمبيزي (زامبيا، زيمبابوي). وتضم كذلك مواد تدريبية لتسهيل بناء القدرات وزيادة الوعي لدى كافة الأطراف المعنيّة مثل خبراء الماء وصناع القرار وجمهور بشكل عام.
ويشير تقرير الأمم المتحدة العالمي عن تنمية الموارد المائية في العالم لعام 2019 تحت عنوان " لن يترك أحد دون مياه" والصادر عن اليونسكو ولجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية، أن الحصول على المياه وخدمات الصرف الصحي يعد حقاً من حقوق الإنسان التي يقر بها المجتمع الدولي. بيد أن أكثر من ملياري شخص يفتقرون إلى هذه الخدمات الأساسية. ويحلل التقرير العالمي الجديد للأمم المتحدة عن تنمية الموارد المائية، أوجه هذا الحرمان، مستكشفاً بعد ذلك سبل الحد من حالات عدم المساواة في هذا الصدد.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت في عام 2010، قراراً تاريخياً تقر بموجبه بأن "الحقّ في الحصول على مياه شرب مأمونة ونقية وخدمات الصرف الصحي حق من حقوق الإنسان". وبالتالي، يلزم هذا القرار الدول الأعضاء بتهيئة الظروف المواتية لضمان حصول الجميع على المياه المأمونة وخدمات الصرف الصحي دون أي تمييز، وفي مقدمتهم الفئات الأكثر حرماناً. ويصبو الهدف 6 من خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، بعد مضي 5 سنوات، إلى ضمان الإدارة المستدامة وحصول الجميع دون استثناء على مياه شرب مأمونة وخدمات صرف صحي مناسبة بحلول العام 2030.
ولكن على الرغم من التقدم الكبير الذي أُحرز خلال السنوات الـ 15الماضية، فإن ذلك الهدف لا يزال بعيداً عن متناول عدد كبير من سكان العالم .وفي عام 2015، كان 3 من كل 10 أشخاص، أي ما يعادل 2.1 مليار نسمة في العالم يفتقرون للمياه المأمونة الصالحة للشرب، فضلاً عن أن 6 من كل 10 أشخاص، أي 4.5 مليار نسمة كانوا محرومين من مرافق الصرف الصحي المدارة بصورة مأمونة. ومن هنا نرى أنه لم يحرز التقدم الكافي بعد لبلوغ الهدف الذي اعتمدته الأمم المتحدة.
وقالت "أودري أزولاي" المديرة العامة لليونسكو في هذا السياق، إلي إن الحصول على المياه حق من حقوق الإنسان الضرورية لصون كرامة كل إنسان. لكن لا يزال المليارات من البشر محرومين من هذا الحق. لكن النسخة الجديدة من تقرير الأمم المتحدة عن تنمية الموارد المائية تؤكد أنه من الممكن بلوغ هذا الحق، شريطة أن تكون هناك إرادة جماعية تتيح المضي قدماً، وكذلك إشراك الأشخاص المتأثرين بهذه المشكلة في عمليات صنع القرار. وقال "جيلبير هونغبو" رئيس لجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية ومدير الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، إلي أن الأرقام تتحدث عن نفسها.فإن التقرير يشدد على أنه إذا ما استمر تدهور البيئة الطبيعية والضغوطات المفرطة على الموارد المائية على هذا النحو على الصعيد العالمي، فإن 45 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و40 % من الإنتاج العالمي للحبوب ستكون معرضة للخطر بحلول العام 2050. وسيعود هذا الأمر بأضرار غير متناسبة على السكان الفقراء والمهمّشين، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم أوجه عدم المساواة . ومن هذا المنطلق، يسلط التقرير في نسخته لعام 2019 الضوء على الحاجة إلى تكييف نهوج كفيلة بمعالجة أسباب الحرمان وعدم المساواة على صعيد السياسات المعتمدة والممارسات المتبعة على حدّ سواء.
وكشف التقرير إلي التباين الكبير في إمدادات المياه وخدمات الصرف الصحي بين المدن والأرياف ، وتخفي هذه الأرقام الإجمالية أوجه تفاوت كبيرة .إذ يوجد في أفريقيا وحدها نصف الأشخاص الذين يحصلون على المياه من مصادر غير مأمونة على مستوى العالم أجمع. ففي أفريقيا جنوب الصحراء، هناك 24 % فقط من السكان الذين يمكنهم الانتفاع بمصدر موثوق للمياه المأمونة الصالحة للشرب، ويمتلك 28 % فقط من السكان المرافق الأساسية لخدمات الصرف الصحي التي لا يضطرون لمشاركتها مع غيرهم من السكان. وثمة فوارق كبيرة داخل البلدان نفسها، ولا سيما بين الفئات الغنية والفقيرة في البلد الواحد. ففي المناطق الحضرية، تضطر الفئات المحرومة التي تعيش في مساكن عشوائية تفتقر إلى إمدادات المياه، إلى شراء المياه من بائعي المياه أو صهاريج الشاحنات بتكلفة تصل من 10 إلى 20 ضعف تلك التي يدفعها جيرانهم في الأحياء الميسورة، وذلك مقابل الحصول على مياه بجودة متساوية أو حتى أقل مقارنة بغيرهم.
ويؤكد معدو التقرير أن الحق في الحصول على المياه جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان الأساسية. وتعد الفئات المهمشة والمعرضة للتمييز، القائم على نوع الجنس أو العمر أو الوضع الاجتماعي أو الانتماء إلى أقلية دينية أو عرقية أو لغوية، أكثر الفئات عرضة إلى الافتقار للمياه وخدمات الصرف الصحي. ويقطن قرابة نصف عدد السكان الذين يحصلون على المياه من مصادر غير مأمونة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث يلقى العبء الأكبر فيما يتعلق بجمع المياه على عاتق النساء والفتيات اللاتي يخصصن أكثر من30 دقيقة يومياً لتلبية حاجة أسرهن من المياه على حساب تعليمهن.
ويعتبر اللاجئون هم الفئة الأكثر عرضة للحرمان من المياه وخدمات الصرف الصحي ، حيث يعد الحصول على المياه والانتفاع بمرافق الصرف الصحي تحديا بالنسبة للاجئين والأشخاص المشردين قسرا.وقد شهد العالم في الآونة الأخيرة أعداداً غير مسبوقة من اللاجئين والمشردين. فقد شهد عام 2017 على سبيل المثال نزوح 68.5 مليون نسمة قسراً جراء النزاعات وأشكال الاضطهاد المختلفة. وفضلاً عن ذلك، تؤدي الكوارث الطبيعية إلى نزوح ما يقرب من 25.3 مليون نسمة قسراً كل سنة، أي ضعف عدد النازحين الذي شهدناه في أوائل السبعينيات، ومن المتوقع أن يسهم تغير المناخ في تزايد هذه الأعداد. ومن الضروري صياغة سياسات شاملة تكف لبلوغ الهدف 6 من أهداف التنمية المستدامة، وكذلك إخماد فتيل النزاعات التي تنشأ بين مختلف مستخدمي المياه. وفي ظل الطلب المتزايد على المياه (بمعدل 1% سنوياً منذ الثمانينيات)، فإن التقرير يبين زيادة كبيرة في عدد النزاعات التي تنشأ بسبب المياه. فقد نشأ 94 نزاعاً بين عامي 2000 و2009. ووصل هذا العدد إلى 263 نزاعاً بين عامي 2010 و2018.
ويبين التقرير في نهاية المطاف الفائدة الاقتصادية التي يمكن تحقيقها من خلال الاستثمار في توفير المياه وخدمات الصرف الصحي. فإن عائدات مثل هذا الاستثمار ستكون مرتفعة لصالح المجتمع ككل، ولا سيما بالنسبة للفئات الأكثر حرماناً. فإن الأثر المضاعف لكل دولار مستثمر يقدر بـ 2 في إطار الاستثمار في مياه الشرب وبـ 5.5 في إطار الاستثمار في خدمات الصرف الصحي.
أ ش أ
اليونسكو تحيي غدا المؤتمر الدولي بشأن المياه
مصر/اممى/أمم متحدة
You have unlimited quota for this service