• ف54
    ف54
  • غع56
    غع56
  • غ45
    غ45


تقرير:هبه الحسينى - مركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط

  تمتلك قارتا أفريقيا وأمريكا اللاتينية رصيدا كبيرا من الثقة والعلاقات التاريخية والموارد الطبيعية، يمكن توظيفهم فى بناء شراكة متينة.. حيث تمثل قمة أفريقيا - أمريكا اللاتينية الثالثة التى تنطلق اليوم في مدينة مالابو بغينيا الاستوائية وتستغرق يومين، بمشاركة أكثر من 30 رئيس دولة وحكومة من أفريقيا وأمريكا اللاتينية، انطلاقة جديدة نحو بناء الشراكة بين القارتين.
   وتعقد هذه القمة تحت عنوان "تعاون جنوب جنوب" حيث يتركز هدفها الرئيسي على تعزيز التعاون الجنوبي الجنوبي، ومن المقرر أن تبحث القمة في سبل تفعيل مجموعات العمل الثمانية بين الدول الأفريقية ودول أمريكا الجنوبية، وذلك في مجالات التجارة والاستثمارات والسياحة والبنى التحتية والطاقة والنقل والتعدين والعلوم والتكنولوجيا، إضافة إلى السلام والأمن، كما سيعقد منتدى لرجال الأعمال لتشجيع التبادل التجاري بين المنطقتين.
   ومن المقرر أيضا إقامة فعاليات ثقافية وعرض أفلام بهدف دفع الثقافة بين الدول الأعضاء في القمة، كما سيتم تنظيم معارض فوتوغرافية في المركز الثقافي الغيني بمالابو.
   وتعد هذه القمة هي الثالثة من نوعها.. حيث عقدت قمة أفريقيا - أمريكا اللاتينية للمرة الأولى في مدينة أبوجا بنيجيريا عام 2006 وهي القمة التي شهدت ميلاد الشراكة الأفريقية اللاتينية، وتم خلالها التصديق على وثيقتين وهما إعلان أبوجا وخطة عمل أبوجا.
   وفي إطار الوثيقتين اقترحت المنطقتان عددا من مجالات التعاون ذات الأولوية منها على سبيل المثال السلام والأمن، الديموقراطية، احترام سيادة القانون، مكافحة الإتجار غير المشروع في الأسلحة، منع انتشار الأسلحة النووية، القضاء على الفقر، الحماية البيئية، الثقافة، التعليم والشباب.
   وأوصت القمة بتوحيد المواقف بشأن القضايا المتعلقة بالتجارة الدولية، وتعزيز وتنسيق المواقف حول المبادلات التجارية الثنائية ومتعددة الأطراف ودعم الآليات الرامية إلي تعزيز التجارة البينية بين دول أفريقيا وأمريكا وأمريكا الجنوبية بما في ذلك اتفاقيات التبادل التفضيلية بين دول المنطقتين.
   وكان من أهم ثمار قمة "أبوجا" انطلاق المشاركة التجارية بين بلدان الإقليمين مما ساعد على تعزيز تدفق المعلومات المتبادلة بين الضفتين الجنوبيتين للمحيط الأطلسي فيما يتعلق بالتجارة.

قمة أفريقيا - أمريكا اللاتينية الثانية
   أما قمة أفريقيا - أمريكا اللاتينية الثانية فقد عقدت عام 2009 فى جزيرة مارجاريتا فى فنزويلا، وكانت تحت عنوان "تضييق الفجوة وتوفير الفرص" وتناولت سبل تعزيز التعاون بين الدول المشاركة وضرورة التوصل إلى إجراءات ملموسة لتحقيق ذلك.. كما بحثت القمة في كيفية مواجهة الأزمات الغذائية والمالية والاقتصادية والبيئية، وتقوية الاتفاقيات وخطط العمل التي تم التوصل إليها خلال القمة الأولى عام 2006.
   وكانت التجارة بين دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية قد نمت بشكل سريع خلال السنوات الأخيرة نتيجة للتعاون الذي تدفعه قمة أفريقيا - أمريكا اللاتينية من أجل رفع مستوى التعاون والشراكة بين القارتين، فحجم التبادل التجاري بين المنطقتين في عام 2003 كان قد بلغ 6 مليارات دولار.. غير أنه بعد انعقاد قمة أفريقيا - أميركا اللاتينية الأولى بأبوجا تجاوزت التبادلات التجارية 36 مليار دولار في حين أنها وصلت عام 2011 إلى 4ر39 مليار دولار وهو ما يؤكد الدور الفعال الذي تلعبه هذه القمم في تعزيز التعاون بين هاتين المنطقتين.
   وتعود بداية الاهتمام ببناء جسور اقتصادية ودبلوماسية بين القارة السمراء ونظيرتها اللاتينية إلى نهاية خمسينيات وبداية ستينيات القرن الماضي، حيث كانت أفريقيا في قلب اهتمامات شعوب قارة أمريكا الجنوبية، التي كانت تنادي دائما بضرورة تحرر الشعوب المقهورة من قبضة القوى المتسلطة.
   ومع مرور الوقت زادت دوافع الشراكة بين الجانبين، فاحتكار الدول العظمى للقرار السياسي في المنظمات الدولية ومحاولتها التأثير في التنظيمات الإقليمية الفاعلة في كل قارات العالم، إضافة إلى استفحال ظاهرة القطب الأحادي، وتنامي التكتلات الاقتصادية للكبار، كلها أمور قد حفزت القارات المهمشة على خلق حلف جديد مؤثر في كفة الموازين الدولية، وأكبر مثال على ذلك ما حدث خلال أعمال الدورة الرابعة والستين للأمم المتحدة التي كشفت مستوى جديدا من التذمر غير المسبوق لدى قادة الدول الضعيفة، وهو ما تجلى في انتقادات بعض زعماء دول العالم الثالث الحادة للمنظمة لعجزها عن القيام بمهامها وخضوعها لنفوذ الدول الكبرى، مما اعتبر خروجا على المألوف.

شراكة
  وتهدف شراكة دول الجنوب في أفريقيا وأمريكا اللاتينية إلى خلق قطب اقتصادي وديموجرافي وجغرافي فاعل على المستوى العالمي، وقادر على تفعيل دوره داخل المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية.
   وتمتلك القارتان رصيدا كبيرا من الثقة والعلاقات التاريخية والموارد الطبيعية، يمكن توظيفه في بناء شراكة متينة لا غالب فيها ولا مغلوب بالمنطق الاقتصادي، فالقارتان تمثلان ما يقارب 20 % من سكان العالم.. امتلاك دول المجموعتين لأكبر الموارد في العالم وهو ما يعزز من إمكانية إنجاح استراتيجية مشتركة للتنمية بينهما، كما أن هناك روابط تاريخية تجمع القارتين حيث كانت أمريكا الجنوبية لقرون موطنا للأفارقة في المهجر، وقد نجح العديد منهم في معرفة جذورهم وأصول أسرهم في أفريقيا.
   وهناك عدد من الدول في أمريكا اللاتينية ترتبط بعلاقات خاصة بالقارة الأفريقية، ويمكن لها أن تحظى بكسب ثقة الأفارقة في وضع أسس للشراكة، وبين تلك الدول البرازيل التي يعود اهتمامها بأفريقيا إلى فترة ما قبل الاستعمار حيث كانت تحتفظ باتفاقيات تجارية مع بعض القوى الاستعمارية في أفريقيا، وقد عرف الانفتاح البرازيلي في القارة السمراء بعد الاستقلال فترات مد وجزر بسبب عدم الاستقرار الداخلي في البرازيل.
   غير أن عام 1973 كان بداية تحول حقيقي في السياسة البرازيلية تجاه أفريقيا حيث دعت البرازيل، في سابقة هي الأولى من نوعها، إلى الاعتراف بحق الشعوب الأفريقية في تقرير مصيرها ونيل الاستقلال.. وقد أعطى الرئيس السابق لولا دا سيلفا لأفريقيا مكانة خاصة، حيث زار 15 عاصمة أفريقية منذ وصوله للسلطة عام 2002، وحرص على زيادة الروابط الاقتصادية لدولته مع القارة.
   كما تحرص البرازيل في تقاربها مع أفريقيا على عمقها الثقافي والاجتماعي الأفريقي، إذ يمثل السود من أصول أفريقية قرابة 40 % من سكانها الذين جاء أسلافهم في فترة ازدهار تجارة الرقيق إلى الأمريكتين.

كوبا والعلاقات الأفريقية
   وتعد كوبا من بين الدول اللاتينية التي ترتبط بعلاقات خاصة مع أفريقيا، حيث أنها كانت داعما قويا لحركات التحرر اليسارية الأفريقية في السبعينيات برجالها وسلاحها.. ولم يقتصر الدعم الكوبي على السلاح والمعدات العسكرية بل امتد ليشمل تقديم الدعم على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والصحي للأفارقة.
   هناك أيضا فنزويلا التي عرفت علاقاتها بأفريقيا في عهد رئيسها الحالي هوجو شافيز تطورا ملحوظا حيث يعد شافيز من أكثر زعماء العالم حضورا على المسرح الأفريقي، ويحرص دائما خلال زياراته لأفريقيا على التحذير من خطر الهيمنة الأمريكية وتعاظم نفوذ الشركات الغربية العاملة في أفريقيا.. كما يصر شافيز على أن يجعل من زياراته الأفريقية فرصة دائمة لتقديم عروض تعاون مغرية كتزويد الدول المحرومة من الطاقة بها، ومساعدة الدول المنتجة لها من خلال تزويدها بتقنيات التكرير والمنشآت اللازمة، إضافة إلى تقديم الخبرات الفنزويلية لمحاربة الفقر كنموذج قابل للتطبيق.
   ويرى المراقبون أنه لكي يتم تفعيل هذه الشراكة الأفريقية اللاتينية فلابد من التركيز على المجالات التي يمكن أن تشكل مجالا للتعاون المثمر بين الطرفين، مثل التعاون في قطاع الزراعة حيث يمكن لأمريكا الجنوبية، لما لها من خبرة في هذا المجال، أن تلعب دورا إيجابيا في تنمية الإمكانيات الزراعية والحيوانية الضخمة في أفريقيا.. وفيما يخص التجارة الزراعية يمكن لبلدان أمريكا الجنوبية أن تساعد الدول الأفريقية في تحقيق القفزة التكنولوجية التي تحتاجها للوصول إلي مكانة تنافسية في التجارة الدولية والمساعدة في تنفيذ البرنامج الأفريقي الشامل للتنمية الزراعية.
   وبخصوص التجارة فهناك أهمية قصوي لبحث فرص التجارة والاستثمار، حيث توجد فرص فريدة من نوعها لتنمية التجارة والاستثمار بين الإقليمين، وبحث إنشاء مناطق تجارة حرة ومواني تجارية، وإنشاء بنك أفريقيا أمريكا الجنوبية لتسهيل المعاملات التجارية، وبنك للاستثمار الأفريقي الجنوب أمريكي للتعاون في مجال الاتصالات والتكامل الرقمي، وإنشاء اتحاد رجال أعمال أفريقي جنوب أمريكي.
   وفي مجال السلم والأمن، أصبح من الضروري النظر في إمكانية التوسع في منطقة السلام والتعاون في جنوب الأطلسي، حيث ينظر إلي هذه المنطقة على أنها إرث تتقاسمه المنطقتان ويجب اتخاذ الخطوات السريعة من أجل تعزيز التعاون في المنطقة الاقتصادية الخالصة والإدارة الساحلية لهذه المنطقة الاستراتيجية.