• "عيد القيامة".. خبير آثار يرصد حكايات الحج المسيحي وانطلاقها من القبر المقدس

القاهرة في 19 أبريل/أ ش أ/ محمد المعبدي
تنطلق الاحتفالات بعيد القيامة المجيد من الأراضي المقدسة غدا (الأحد) بشكل مميز لخروج النور من كنيسة القيامة ، حيث ذكر المؤرخ العربي المقريزي أن النور يظهر في قبر السيد المسيح في القدس في ليلة العيد ويضئ منه الناس الشموع.
ويسبق احتفال الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بعيد القيامة المجيد "الصوم الكبير" ويعتبر أطول فترة صوم في الكنيسة، ويستمر لمدة 55 يوما.
ويرصد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية كيف انطلقت رحلات الحج المسيحي إلى هذه البقعة الطاهرة بالقدس مباشرة أو عبر دير سانت كاترين بسيناء منذ القرن الرابع الميلادي وقد عرف مسيحيو القرن الثالث الميلادي الكهف الذى ولد فيه السيد المسيح عليه السلام في بيت لحم معرفة جيدة وبدأ ارتحالهم إلى هناك وإلى جبل الزيتون.
ويقول الدكتور عبد الرحيم ريحان في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط ، إن الهدف من زيارة هذه البقاع المقدسة هو الصلاة واكتساب الفضائل الروحية ، إلا أن التطور البارز في فكرة الحج إلى القدس حدث في عهد الإمبراطور قسطنطين أول الأباطرة المسيحيين (323 – 337م) الذي أوقف الاضطهاد الذى لحق بالمسيحية ، وقامت أمه الإمبراطورة هيلانة بزيارة القدس من أجل الكشف عن رفات السيد المسيح والحصول على كافة متعلقاته.
وأضاف ريحان :" يقال إن الإمبراطورة هيلانة عثرت على خشبة الصلب ودعّم قسطنطين اكتشافها ببناء كنيسة القبر المقدس ثم جاءت إلى سيناء وبنت كنيسة في حضن شجرة العليقة المقدسة وبرجا يحتمي به الرهبان ومنذ ذلك الحين صارت الرحلة المقدسة إلى تلك البقاع تقليدًا قائمًا لدى المسيحيين".
ويوضح أن أغلب المسيحيين الذين يذهبون إلى القدس كانوا يضعون مصر وسيناء في برنامجهم وقد وصلتنا كتابات عديدة للمرتحلين المسيحيين إلى القدس عبر العصور فبين أعوام (381 – 384م) جاءت الراهبة إجيريا أو إثيرى (كما ذكرت بعض المراجع ) قادمة من أوروبا إلى منطقة الجبل المقدس بسيناء ".
ووصفت الراهبة إثيرى صعودها إلى جبل موسى فقالت أنها وجدت على قمته كنيسة صغيرة حيث أقيم قداس تلاه توزيع خيرات الله على شكل فواكه من إنتاج منطقة الجبل المقدس وشاهدت هناك كنيسة ومغارة سكن فيها النبي إيليا، ويستدل من كتابات إثيرى على أن هذه الرحلة كانت شاقة وكثيرة التكاليف لا يقدم عليها إلا الشخصيات الكبيرة من ذوي النفوذ الواسع والمال الوفير.
وجاء بوستوميان وهو من أهالي ناريون بجنوب فرنسا إلى مصر عام 400م بعد أن عبر البحر المتوسط في أربعين يومًا إلى الإسكندرية ثم توجه إلى القدس عن طريق سيناء وكان معه عدة مرافقين ووصف لنا رحلته ، بينما جاء القديس أنطونين من إيطاليا إلى الجبل المقدس وذكر أن عددًا هائلًا من النساك جاءوا لمقابلته ينشدون التراتيل وأنه كان لكل دير ثلاثة رؤساء أحدهم يجيد اللاتينية والثاني الإغريقية والثالث القبطية.
ويشير الدكتور ريحان إلى وجود طريقين مشهورين للحج عبر سيناء، طريق شرقي وطريق غربي، أمّا الطريق الشرقي فهو للمسيحيين القادمين من القدس إلى جبل سيناء ويبدأ من القدس إلى أيلة (العقبة حاليًا) إلى النقب ثم وادى الحسى إلى وادى وتير الذى تتوفر فيه المياه من بئر الحسى وبئر صويرا ويجاور وادى وتير أيضًا عين فرتاقة وبها جدول صغير يفيض بالماء طوال العام، ثم يسير الطريق في وادى غزالة إلى عين حضرة ثم وادى حجاج وبه تلال من حجر رملى بها نقوش نبطية ويونانية وأرمينية ثم يسير إلى سفح جبل جونة إلى وادى مارة ثم يدخل سفح جبل سيناء وطول هذا الطريق حوالى 200كم من أيلة إلى الجبل المقدس الذى أطلق عليه عدة أسماء منها جبل موسى وجبل سيناء وجبل المناجاة.
ونوه الدكتور ريحان إلى شهرة وادي حجاج قرب سانت كاترين والذى يتضمن نقوشًا صخرية أرمينية عددها 55 نقش تاريخها ما بين القرن (الأول إلى الرابع الهجري / السابع إلى العاشر الميلادي) منها نقش لأحد المسيحيين يقول (أنا ذاهب حول موسى) يعنى جبل موسى وآخر يقول (أنا رأيت القدس) وأن وجود مثل هذا العدد من النقوش الأرمينية في الطريق الشرقي بسيناء وعدم وجودها في الطريق الغربي يدل على كم المسيحيين الأرمن القادمين إلى جبل سيناء من القدس .
ولفت الدكتور ريحان إلى أهمية ميناء الطور المملوكي في خدمة الحجاج المسيحيين في العصر المملوكي منذ (القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي) ، وكانت السفن تبحر من موانئ إيطاليا جنوة أو البندقية (فينيسيا الآن) إلى الإسكندرية ثم تتوجه بالنيل إلى القاهرة وبعد أن يحصلوا على عهد الأمان أو الفرمان من سلطان المماليك يقيم المسيحيون فترة في استراحة للحجاج بالقاهرة حيث يتم إعطاء أطعمة للفقراء المتوجهين إلى سانت كاترين ويعود المسيحيون إلى أوروبا عن طريق الإسكندرية على سفن البندقية التي تنتظر التجارة المصدرة للإسكندرية من الشرق.
واختتم الدكتور ريحان بأن المسيحيين القادمين من أوروبا يقيمون لعدة أيام بدير أبو مينا (مارمينا) بمريوط غرب الإسكندرية وكان به عدة حجرات كانت تستخدم مكاتب خاصة لشئونهم مما يدل على كم المسيحيون القادمون من أوروبا إلى سيناء وكان الحاج يجهز نفسه روحانيًا ويرتدى ثوب الحج ويضع الصليب الأحمر على الثوب ورداء الرأس ويأخذ نقودا كافية ثم يتجه إلى البندقية أو جنوة أو مارسيليا ويأخذ الحاج طريقه بسهولة.
أمّا الراغبين في الحج إلى جبل سيناء ودير سانت كاترين فلهم الحق فى الإعفاء من الرسوم ، وهى 23 دوقة ويجهز الحجاج بالجمال إلى سيناء، وللحجاج سواءً كانوا من الشرق أو الغرب الحرية فى قراءة القداس طبقًا لطقوسهم الخاصة فى كنيسة لاتينية خاصة قرب سكن الضيوف بدير سانت كاترين.
ويصعد الحجاج إلى جبل موسى الذى تبلغ عدد درجاته حوالى ثلاثة آلاف درجة حيث يعبر الحجاج بوابتين من الصخر، الأولى يجلس فيها القديس اسطفانوس ليستمع لاعترافات الحجاج ويتسلم شهادات اعترافهم قبل أن يسمح لهم بالصعود إلى البوابة الثانية حتى يصلوا إلى قمة جبل موسى، وعليه كما يعتقد الكهف الذى اختفى فيه نبي الله موسى عليه السلام.

م ع ى/م ش ا
/أ ش أ/