• "البيوشار".. الحل الأمثل لاحتجاز الكربون بالتربة لعقود وكنز المزارع البسيط.. والإفراط فيه خط أحمر

الفحم الحيوى أو البيوشار (Biocharbon) زراعة بلا كيماويات.. يحلم الجميع بأن نزرع أراضينا بدون كيماويات، هذا الحلم أصبح حقيقة من خلال الفحم الحيوى الذي يعد أحد حلول الاستدامة الهادفة إلى التخلص من المخلفات الزراعية وتحويلها لمُحسنات للتربة، وتحسين إنتاجية المحاصيل والحفاظ على البيئة فهو مادة غنية بالكربون ويمكنه الصمود في التربة لآلاف السنين؛ ما يجعله وسيلة فعّالة لاحتجاز الكربون لعدة قرون، وبالتالي التخفيف من الاحتباس الحراري وتغير المناخ.
وفي المقابل، وكما يقال "الشيئ إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده"، فالفحم الحيوى رغم مزاياه إلا أن الإفراط في تطبيق الفحم الحيوي يمكن أن يرفع درجة حموضة التربة إلى ما هو أبعد من النطاق المثالي للمحاصيل، مما يؤثر على توافر العناصر الغذائية، وربما يقلل من خصوبة التربة وغلة المحاصيل.
وفي هذا التقرير لوكالة أنباء الشرق الأوسط، سيتم تناول أهم الجوانب المتعلقة بموضوع البيوشار، المزايا والعيوب وكيفية إنتاجه وآراء الباحثين والخبراء والمزارعين في هذا الموضوع المهم الذي أصبح ضرورة حتمية، في الوقت الذي يحذر فيه علماء المناخ من أن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

البيوشار والتغيرات المناخية
البداية مع استشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة وعضو الهيئة الدولية لتغير المناخ الدكتور سمير طنطاوى، والذي يعرف الفحم الحيوى بأنه "المادة الناتجة عن حرق المخلفات العضوية النباتية في وسط يفتقر إلى الهواء وتحت ضغط منخفض من الأكسجين" فهو فحم ناعم خالٍ تماما من القطران، ويتم إضافته للتربة الزراعية لتحسين خواصها، ويصنع حاليا بالطرق الحديثة في العديد من دول العالم، ويعد من أفضل أنواع السماد الأخضر، بالإضافة إلى توفيره الحل المثالي لمشكلة القمامة التي تهدد البيئة بمخاطرها المتعددة.
وأوضح أن أحد أكبر فوائد البيوچار هو دوره في عزل الكربون، حيث يعمل كـ"مصيدة" للكربون مما يمنع إعادة إطلاقه في الجو كغاز ثاني أكسيد الكربون، وهذا يجعله أداة فعالة في جهود مكافحة تغير المناخ، حيث يمكن أن يساهم في تقليل انبعاثات الكربون على المدى الطويل، مشيرا إلى أنه طبقا لعدد من الدراسات، فإنه إذا تم تحويل الكمية الإجمالية لمخلفات المحاصيل الناتجة عن الزراعة على مستوى العالم إلى فحم حيوي، فإنها ستعزل نحو مليار طن متري من الكربون المخزن سنويا، وسيظل ثلاثة أرباع هذا الكربون معزولا بعد 100 عام، وهو ما يمثل ما يكفي لتعويض حوالي 80% من جميع انبعاثات الغازات الدفيئة من الزراعة.
ويلتقط الدكتور سمير محمود القرعيش النائب السابق للشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية لتحول الطاقة والاستدامة أطراف الحديث قائلا: إنه "يمكن أن يصبح الفحم الحيوي خيارًا مهمًا في التخفيف من تغير المناخ من خلال عزل الكربون"، لافتا إلى أن جميع أنواع الفحم الحيوي لا تعمل بنفس الطريقة، ويعتمد ذلك على مصدر الكتلة الحيوية ودرجة حرارة التحلل الحراري وحجم المنتج.
وأضاف: "الفحم الحيوي هو منتج يشبه الفحم ولا يحتوي على البترول، ويتم تصنيعه عن طريق تسخين الكتلة الحيوية، مثل بقايا المحاصيل العشبية أو الخشبية، وهو عبارة كذلك عن سماد حيواني يتم تقطيعه إلى قطع صغيرة في نظام مغلق، وهناك العديد من الاستخدامات المحتملة للفحم الحيوي، بما في ذلك معالجة المياه واستصلاح الأراضي وحجز الكربون، كما يمكن استخدام الفحم الحيوي كمحسن للتربة لغرضين، هما "تحسين صحة النبات وتخزين الكربون".
ومن المتوقع أن يصبح ما لا يقل عن 50% من الكربون في أي قطعة من النفايات التي يتم تحويلها إلى فحم حيوي مستقرًا، مما يحبس هذا الكربون لفترة تتراوح بين عدة إلى مئات السنين.. وطبقا لأحدث الدراسات، فإن الفحم الحيوي له القدرة على إزالة 6% من الانبعاثات العالمية الكبيرة، وهذا يعادل التلوث المناخي الناجم عن أكثر من 800 محطة لتوليد الطاقة بالفحم، أو ما يقرب من ثلاثة أضعاف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن صناعة الطيران.

البيوشار والزراعة وعلاقته بالانتاج الحيواني
على الرغم من أن الفحم الحيوي موضوع ساخن حالياً، وخاصة في الزراعة، إلا أنه له جذور قديمة.. ففي الأمازون، يعُتقد على نطاق واسع أن جيوب التربة قد تم تعديلها أو تغطيتها بنفايات الفحم من مواقد الهنود ما قبل كولومبوس منذ آلاف السنين، وتعُرف هذه التربة باسم "تيرا بريتا" أى "الأرض الداكنة".
وفى هذا الصدد، أكد الدكتور صابر جمعه عبده أستاذ تغذية الحيوان ورئيس قسم الإنتاج الحيواني السابق بكلية الزراعة جامعة الأزهر فرع أسيوط أن للفحم الحيوي منافع عديدة للتربة تكمن في تحسين خواصها الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية، فهو يساعد على تهوية التربة ويسهل عملية امتصاصها للماء، ويساعدها على تثبيت وتخزين العناصر الغذائية في الجذور، كما يلعب دورًا في جذب بعض الأحياء الدقيقة المهمة لتحقيق التوازن داخل التربة وإخصابها عن طريق تحويل النيتروجين إلى مركبات نيتروجينية يستخدمها النبات في تكوين البروتين، وهو يمد التربة بالكربون أو يساعدها على تثبيت مخزونها منه.
وأضاف: أن إنتاج الفحم الحيوي ليس وسيلة مهمة لمعالجة تلوث التربة فقط، ولكنه أيضا وسيلة جيدة للتخلص من النفايات بطريقة مفيدة، خاصة ونحن نواجه بعض المشاكل في تراكم المخلفات الزراعية، وكيف يمكننا استغلالها بالشكل الأمثل، حيث تصل كمية المخلفات الزراعية السنوية في مصر إلى 35 مليون طن، يستخدم 18% منها فقط كسماد.
وأوضح أن إضافة الفحم الحيوي إلى تربة المنجم الملوثة بالمعادن الثقيلة أدت إلى تقليل محتوى الكادميوم والرصاص والزنك المتوفر، علاوة على ذلك، فإن تطبيق الفحم الحيوي أثناء معالجة تربة المناجم يمكن أن يقلل من تركيزات النباتات من المعادن الثقيلة، بالإضافة إلى أن أعراض سمية المعادن الثقيلة كانت غائبة في النباتات التي تنمو في التربة المعالجة بالفحم الحيوي.
ونوه بأن النتائج أظهرت أن الإضافات المنفردة لكل من الأسمدة المعدنية والفحم الحيوي أدت إلى زيادة محصول الحبوب ونسبة البروتين في الحبوب بدرجة عالية، حيث ارتفع إنتاج الحبوب بنسبة 79.7% في وجود الفحم الحيوي.
وفي مجال الإنتاج الحيواني، قال الدكتور صابر جمعه "إن إضافة الفحم الحيوي الى التبن المعامل باليوريا أدت إلى زيادة النمو للحملان التي تغذت عليه، بالإضافة إلى المحافظة على التلوث الناتج من إخراج اليوريا في بول الحيوانات الذي يلوث الغلاف الجوي.
وأشار إلى أن إضافة الفحم الحيوي إلى فرشة الدواجن أعطت عدة مؤشرات أولية (ارتفاع درجة حرارة الكومبوست لأكثر من 55 ºم، وانخفاض نسبة المادة العضوية والمادة الصلبة المتطايرة) لإمكانية إنتاج سماد عضوي ذو خصائص مقبولة، كما أظهرت النتائج أن إضافة 10-20% من الفحم الحيوي إلى فضلات الدواجن حققت أعلى متوسط درجة حرارة (62.2 و67.5 ºم على التوالي) بعد 48 ساعة من بدء التشغيل.
ومن المتوقع أن ينمو سوق الفحم الحيوي بمعدل نمو سنوي مركب يزيد عن 15% عالميا خلال الفترة المتوقعة (2022- 2027).. ومع ذلك، من المتوقع أن يؤدي الطلب المتزايد على الغذاء مع ارتفاع عدد السكان إلى زيادة استهلاك الفحم الحيوي في الزراعة.

الطريقة المثلى لإنتاج البيوشار
أجرى فريق بحثي مصري دراسة حديثة، ركزت على الطريقة المثلى لإنتاج الفحم الحيوي، بهدف تحديد خواصه وفوائده بالنسبة للتربة، حيث تخضع طرق إنتاج الفحم الحيوي لعدة خطوات تبدأ بتقطيع المخلفات النباتية، مثل نواتج التقليم أو بقايا المحاصيل، لزيادة كفاءة الاحتراق، ووضعها في أفران معدنية خاصة وإغلاقها بإحكام، وتسخين الأفران على اللهب لساعات حتى تصل إلى درجات حرارة عالية بين 400 و700 درجة مئوية دون وجود أكسجين.
وأخيراً، يتم إفراغ الفحم الحيوي بعد تبريده ثم طحنه وتعبئته تمهيداً لاستخدامه في التربة.. وتوجد حالياً أفران خاصة لإنتاج الفحم الحيوي يتم من خلالها التحكم في درجة الحرارة، للوصول بالمنتج إلى الخواص المطلوبة، كدرجة التماسك وكمية الفجوات الدقيقة والوزن.

البيوشار وتقليل الفشل الكلوي والكبدي
وحول آليات عمل البيوشار، يقول أحد العاملين بإحدى الشركات المنتجة للبيوشار إنه "خلال أسابيع يكون تأثيره على التربة وإنبات البذور والشتلات، وفي خلال شهور تكون التأثيرات على نمو النبات والمحصول وأكثر من ستة شهور تكون التأثيرات على التربة والدورة الزراعية القادمة".
وأوضح أن البيوشار يساهم فى التقليل من استخدام المبيدات، سواء الفطرية أو البكتيرية أو الحشرية، وبالتالي تقليل التلوث البيئي، سواء بالتربة الزراعية أو الماء الأرضي أو المنتج النهائي، وزيادة جودة الثمار المنتجة، وبالتالي تقليل الأمراض، سواء الفشل الكلوي أو الكبدي، كما أنه يساهم في توفير العديد من المبيدات غالية الثمن، سواء المستوردة أو المنتجة محليا، بالإضافة إلى ذلك يسمح بزيادة الرقعة الزراعية المستهدفة للتصدير بمصر، وأيضا وقاية النبات والتربة الزراعية من الأمراض، كما يقلل من تكلفة المدخلات الزراعية، وبالتالي يزيد من دخل المزارع.
وفي ذات الصدد، قال المهندس محمد على بإدارة الإرشاد الزراعي "إن متبقيات الإنتاج الزراعي تمثل عبئاً كبيرًا على بعض المزارعين، وهو ما يجعلهم يتخلصوا منها بطرق غير آمنة، مثل الحرق، وهذا يؤدي إلى حدوث تلوث للبيئة وأضرار على صحة الإنسان والحيوان".
وأكد أن عملية إعادة تدوير المتبقيات الزراعية والاستفادة منها بإنتاج الفحم الحيوي تُعتبر من أهم طرق التخلص الآمن للمتبقيات من أجل الحفاظ على البيئة، وبالتالى الحفاظ على صحة الإنسان.. ونصح المزارعين العضويين بإضافة الفحم الحيوي بالمعدلات الموصى بها إلى التربة، بما يحسن خواص التربة والوسط الذي تعيش فيه الميكروبات.
وعن تجربته في استخدام البيوشار، أعرب عم حسين أحد الفلاحين بإحدى قرى محافظة المنوفية عن سعادته بهذه التجربة، قائلا: "أصبح لدى المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة الآن طريقة مستدامة لتعزيز صحة التربة باستخدام الفحم الحيوي، الذي يمكنهم إنتاجه من نفايات المزارع والكتلة الحيوية المتاحة محليًا من خلال تحفيز عملية التحلل الحراري التي تسخن الكتلة الحيوية في بيئة محدودة الأكسجين مصنعة من وحدات بسيطة وبأسعار معقولة".

عيوب البيوشار والحلول
قال أحد الباحثين بمركز البحوث الزراعية "لفت انتباهي على بعض صفحات موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) إعلانات عن منتج البيوشار، وتهافت أخواننا المزارعين عليه والسؤال عن سعره، وقد عقد العزم البعض على الشراء وإضافته لأرضه أملا في أن هذا البيوشار سيزيد الإنتاج دون أن يعرف عيوب استخدامه".
وأوضح أن الإفراط في استخدام الفحم الحيوي يمكن أن يؤدي إلى رفع درجة حموضة التربة إلى ما هو أبعد من النطاق المثالي للمحاصيل، مما يؤثر على توافر العناصر الغذائية، وربما يقلل من خصوبة التربة وإنتاجية المحاصيل، كما يمكن أن تزيد كراهية الفحم الحيوي للماء، التي تمليها درجة حرارة المواد الخام والتحلل الحراري، من قدرة التربة على طرد الماء وتقليل قدرتها على الاحتفاظ بالمياه، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي الإفراط في استخدام الفحم الحيوي إلى انسداد مسام التربة وامتصاص العناصر الغذائية الحيوية، مثل الفوسفور والمنجنيز والكالسيوم، مما يعيق تبادل المياه والمغذيات، وبالتالي تقييد نمو النباتات.
ورأى الباحث أنه يمكن الاستفادة من البيوشار في مجالات أخرى، وهي: مجال تنقية المياه من الملوثات والعناصر الثقيلة، وهذا ما يحدث في الصين حيث يمكن لجرامين من البيوشار أن ينقي لترا من المياه، فيمكن الاستفادة من ذلك في تنقية مياه الصرف الزراعي وإعادة الاستفادة منها.
وفي النهاية، وعلى الرغم من أن العلماء اتفقوا على أن تأثيرات الفحم الحيوي تختلف على نطاق واسع، إلا أن هناك حاجة إلى المزيد من البحث لقياس تأثيرات تطبيق الفحم الحيوي بشكل صحيح في مناخات وأنظمة زراعية مختلفة.