ضحوا بالغالي والنفيس لنسف الأكاذيب الإسرائيلية
الإعلاميون في غزة.."بالدم نكتب لفلسطين".. فداء للرواية الوطنية للصراع وكشفا لجرائم الاحتلال
القاهرة في 5 أكتوبر/أ ش أ/كتب:محمد شعبان الشرقاوي
رافعين شعار "بالدم نكتب لفلسطين"، يحمل الإعلاميون الفلسطينيون ، الذين يضربون المثل في التضحية والفداء ، أرواحهم على أكفهم في سبيل نقل الحقيقة ووقائع الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة الدائرة منذ 7 أكتوبر 2023 ، وما رافقها من فظائع وجرائم تندى لها جبين الإنسانية.
ويواجه الصحفيون في قطاع غزة مخاطر جمة وتحديات هائلة ، ويعملون في ظل ظروف مروعة تحت الغارات والأحزمة النارية والقنابل ورصاص القناصة والحصار الكامل، لنقل الرواية الفلسطينية لحظة بلحظة ، وتفنيد رواية الاحتلال الكاذبة ، ولفت انتباه العالم إلى المجزرة المستمرة بحق المدنيين العزل من النساء والأطفال والشيوخ ، باعتبارهم المصدر الوحيد للتقارير الميدانية من داخل الأراضي الفلسطينية، والتي تعتمد عليها وسائل الإعلام الدولية للحصول على معلومات دقيقة حول الوضع داخل غزة.
غير أنه في ظل الحرب الإسرائيلية ، تحولت مهنة "الصحافة" من "البحث عن المتاعب" إلى البحث عن "الشهادة" ، وبعدما كان الصحفيون ينقلون الخبر وأحداث الحرب الدامية، أضحوا وعائلاتهم هم "قصة الخبر" في نشرات محطات التلفزة العربية والعالمية ووسائط التواصل الاجتماعي في ظل المجازر اليومية التي يرتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزة وكذلك في الضفة الغربية.
ومنذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر الماضي عقب الهجوم المباغت وغير المسبوق الذي شنته حركة حماس على المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة والذي سمته "طوفان الأقصى" ، لم تكن هناك حصانة لأي فلسطيني بمن فيهم الصحفيون، وارتفع عدد الشهداء من فرسان الكلمة والصورة إلى 174 شهيدا حتى نهاية سبتمبر الماضي وفقا للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة ، وهي الخسائر الأكبر للصحفيين في تاريخ الحروب الحديثة، في ظل تعمد جيش الاحتلال قتلهم بدم بارد وهم يرتدون درع وشارة مميزة "Press" ، فضلا عن اعتقال العشرات منهم في أقبية السجون ، بهدف طمس الحقائق وتغييب الرواية الفلسطينية عن الرأي العام العالمي.
يقول الإعلامي عادل الزعنون مدير مركز غزة لحرية الإعلام لوكالة أنباء الشرق الأوسط : "في كل الحروب وجولات المواجهة والتصعيد مع الجيش الإسرائيلي ، كان دور الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين بارزا وجلياً في تغطية الفظائع والاعتداءات الإسرائيلية بكل تفاصيلها كما هو الحالي بالنسبة لهذه الحرب الأعنف والأكثر دموية وتدميرا والتي تشهد تطهيرا عرقياً غير مسبوق".
ويضيف الزعنون والذي عمل مراسلا لقناة الشرق خلال الحرب – مقرها الرئيسي الرياض - : "أسهم الصحفيون في القيام بدورهم وواجبهم المهني والإنساني والموضوعي في كشف المجازر التي تصفها الأمم المتحدة ومنظمات دولية إنسانية بجرائم ترقى إلى "جرائم الإبادة" التي تنفذها آلة الحرب العسكرية الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب قبل عام ولا زالت مستمرة بل وسعتها باتجاه مدن الضفة الغربية ولبنان".
ومنذ السابع من أكتوبر الماضي وعلى مدار عام كامل ، أدت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى استشهاد ما يقارب 42 ألف فلسطيني جلهم من النساء والأطفال والشيوخ وإصابة 97 ألفا آخرين ، وتدمير حوالى 90 في المئة من المنازل والبنى التحتية ، فضلا عن نحو 11 ألفا في عداد المفقودين تحت الأنقاض.
وتابع الإعلامي عادل الزعنون :"في قلب هذه الأحداث ، واجه الصحفيون استهدافا مباشرا غير مسبوق، إذ استشهد أكثر 170 من الصحفيين (مراسلون ومصورو فيديو وفوتوغرافيون، والعاملون في حقل الإعلام) .
ويوضح قائلا: عدد كبير من هؤلاء الشهداء استهدف بشكل مباشر ومتعمد سواء في الميدان أو البيت أو موقع العمل، إلى جانب تدمير القوات الإسرائيلية أكثر من مئتي مكتب ومقر ومركز صحفي وإعلامي وبعضها أصيب بأضرار جسيمة، دون أن تستثني حتى مكاتب وكالات الأنباء وشبكات التلفزيون العالمية والعربية الكبرى، في مسعى لا يمكن أن يُفهم هدفه إلا من أجل إسكات الصحافة وفقء عيون عدسات كاميرات الصحفيين والإعلاميين".
وحول ظروف عمل الصحفيين في ظل العدوان، يقول الزعنون الذي دمر طيران الاحتلال منزله المكون من 4 طوابق وحوله إلى ركام في حي تل الهوا بمدينة غزة : "لقد عمل الصحفيون ولا زالوا في هذه الحرب في ظروف قاسية جدا، إذ لا مكاتب ولا معدات ولا إنترنت ولا اتصالات ولا كهرباء ولا ماء ولا منازل ولا خيام ولا مكان آمن".
وأردف: رغم ذلك واصل الصحفيون أداء واجبهم بكل شفافية في تغطية تفاصيل الحرب على مدار الدقيقة ، وكشف ولو بالشيء اليسير ما ترتكبه آلة الحرب الإسرائيلية من فظاعات ".
ووثق "مركز غزة لحرية الإعلام" (غير حكومي) 176 شهيدا صحفيا وعاملا في الحقل الإعلامي، وإصابة أكثر من 160 بجروح مختلفة، وتدمير نحو 200 مكتب ومركز ومقر صحفي وإعلامي، عدا عن تدمير كلي أو شبه كلي لمنازل أكثر من 320 صحفيا بعضها باستهداف بشكل مباشر.
ويحكي الإعلامي عبد الناصر أبو عون المذيع في إذاعة "صوت القدس" تجربته خلال الحرب على غزة قائلا لوكالة أنباء الشرق الأوسط :"منذ بداية الهجوم في 7 أكتوبر والذي لاحظنا قوته ومدي نتائجه في عدد القتلي الإسرائيليين، فهمنا أننا ذاهبون إلى حرب طويلة ومدمرة بقوة ، ومنذ اللحظات الأولى تم وضع خطة عمل بموجبها عملنا وسط آلة الدمار والقتل ، ولاحقا انتقلنا من مقرات عملنا بمدينة غزة بالنظر لخطورة القصف إلى مستشفي الشفاء ظنا منا أنه أكثر أمانا".
ويضيف أبو عون وهو أيضا مراسل صحفي ميداني : "عملنا وسط ظروف غاية بالتعقيد والمخاطر والاستهدافات إلى حين طلب منا عبر بيانات التحذير من جيش الاحتلال بالتوجه إلي جنوب القطاع ، حيث غادرت إلي دير البلح (وسط القطاع) ، وعملت مؤقتا هناك وأحضرت أسرتي برفقتي وحاولت أن أقوم بتأمين مكان آمن لهم في رحلة النزوح المريرة".
وأردف :"بعد ذلك توجهت إلى خان يونس (جنوب) ، حيث مكثت هناك ثلاثة أشهر كانت صعبة للغاية .. فالغارات لم تتوقف ومعها لم يتوقف شلال الدماء والقتل والتدمير لمنازل المواطنين إلى أن انتقلت إلي مدينة رفح جنوب القطاع وتموضعنا هناك لمواصلة التغطية ونقل صورة المجازر اليومية واضطررت إلى نقل أسرتي معي كلما انتقلت وكنت جاهدا في أن أبحث عن مكان آمن لهم وأن أوازن بين عملي وتأمين أسرتي بمكان آمن جراء شدة الغارات التي تطال المنازل وتدمرها فوق رؤوس ساكنيها ".
وعن أصعب لحظات الحرب ، يقول الإعلامي عبد الناصر أبو عون :"في خضم عملي ونقل صورة الدمار والخراب ومعاناة النازحين برفح وظروفهم الإنسانية الصعبة ، تلقيت نبأ استشهاد والدي الذي نزل على رأسي كالصاعقة..لم أعد أتماسك وانفجرت بكاء على فقد والدي الذي لم يقبل أن ينزح إلى الجنوب وبقي في شمال غزة صامدا شامخا يتنقل من منزل العائلة إلى آخر".
وأردف: مع اشتداد الغارات ووطأة الهجمات على بيوت المواطنين العزل، قضى والدي شهيدا دون أن نودعه ونشارك في تشييعه ودفنه ، فقد فرقتنا الحرب وقطع جيش الاحتلال الطريق الواصل بين شمال غزة وجنوبه ، وجاء رحيل الوالد بعد أسبوعين من وفاة والدتي المريضة التي لم تحتمل صحتها العليلة ظروف النزوح القاهرة والصعبة وأثرت سلبا عليها إلى أن فارقت الحياة وزادت معها لوعتي وحزني وانفطر قلبي لفراقهما".
وتابع: تغلبت للحظات على مشاعري من أجل الاستمرار وإرسال صوت المظلومين من شعبي ونقل صور القتلى والشهداء والجرحى والدمار، لأن امامي رسالة سامية ومهمة أريد إيصالها للعالم حول حرب الإبادة الجماعية المتواصلة ليومنا هذا بعد عام كامل من اندلاعها..حرب المقتلة والمذبحة المستمرة والمستمر معها الوجع اليومي والقهر والحسرة بحصد آلاف الأرواح من المدنيين الأبرياء الذين حرقوا ودمرت بيوتهم فوق رؤوسهم".
ويختم أبو عون قائلا : رسالتنا نحن الإعلاميين لا تقل عن رسالة الميدان ومقاومة شعبنا في مواجهة الغطرسة والقتل وحرب الإبادة والمجازر التي ترتكب ليل نهار أمام مرأى ومسمع الجميع والعالم الذي لم يحرك ساكنا رغم مرور عام على الحرب".
** 24 إعلاميا شهيدا في حروب ما قبل "طوفان الأقصى":
وخلال سبعة حروب شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة خلال الفترة بين عامي 2006 و2023 ، خاض رئيس الوزراء اليميني بنيامين نتنياهو خمسة حروب ، كان آخرها الحرب الدامية والمدمرة التي تدور رحاها حاليا.
ووفقا لاحصاءات فلسطينية ، استشهد خمسة صحفيين خلال الحرب الإسرائيلية على القطاع نهاية عام 2008 (عملية الرصاص المصبوب)، كما استشهد ثلاثة آخرون في حرب (عامود السحاب) في نوفمبر عام 2012 التي استمرت ثمانية أيام .
وفي حرب "الجرف الصامد" التي استمرت 51 يوما خلال الفترة من 7 يوليو وحتى 26 أغسطس 2014 ، تسبب استهداف جيش الاحتلال للصحفيين والإعلاميين في استشهاد 15 إعلاميا وإصابة 18 آخرين وقصف 23 منزلا تعود للصحفيين، و17 مقرا إعلاميا و6 سيارات ، بالإضافة إلى عملية اختراق والتشويش على أكثر من 15 إذاعة وفضائية، وفقا لاحصاءات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
وفي عام 2018، وخلال "مسيرة العودة الكبرى" المطالبة آنذاك برفع الحصار عن غزة وعودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم التي هجروا منها ، وثقت منظمات حقوقية دولية استهداف قناصة إسرائيليين الصحفيين في قطاع غزة أثناء تغطيتهم للاحتجاجات على طول السياج الحدودي بين غزة وإسرائيل مما أدى إلى استشهاد الصحفي ياسر مرتجى برصاصة قناص إسرائيلي.
** تنديد عربي ودولي باستهداف الإعلاميين الفلسطينيين:
وأثارت الجرائم الإسرائيلية بحق الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام في قط غزة غضبا وتنديدا عارما على المستوى العربي والدولي .
فقد اعتبرت منظمة "مراسلون بلا حدود" المعنية بالدفاع عن حرية الصحافة حول العالم، استهداف الصحفيين "جريمة حرب" بموجب القانون الإنساني الدولي.
ووصفت المنظمة (غير الحكومية) قطاع غزة بـ"مقبرة الصحفيين"، متهمة إسرائيل بتعمد خنق عمل الصحفيين وقتلهم، وممارسة مختلف الطرق لإعاقتهم في الميدان، فضلا عن التهجير والحصار ومنع الصحفيين الأجانب من الدخول إلى القطاع وقطع الإنترنت ورسائل التهديدات التي تصلهم.
وفي 27 مايو الماضي ، تقدمت "مراسلون بلا حدود" بشكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن "جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل بحق الصحفيين الفلسطينيين. ودعت المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى "التحقيق في جرائم ارتكبت في حق ما لا يقل عن 9 مراسلين فلسطينيين خلال الفترة بين 15 ديسمبر 2023 و20 مايو 2024".
وهي الشكوى الثالثة التي تقدمت بها المنظمة إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن مقتل صحفيين في غزة بعد شكوى أولى في 31 أكتوبر وأخرى في 22 ديسمبر 2023.
كما نددت "لجنة حماية الصحفيين"، وهي منظمة مستقلة مقرها نيويورك باستهداف الإعلاميين في قطاع غزة، مؤكدة أن حرب إسرائيل على قطاع غزة هي الأكثر فتكا وقتلا للصحفيين.
في السياق ذاته، أدانت نقابة الصحفيين المصرية في أكثر من مناسبة استمرار جرائم جيش الاحتلال وآلة حربه الوحشية ضد الصحفيين الفلسطينيين وأسرهم.
وأعلنت النقابة "كامل تضامنها مع قرار اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي للصحفيين برفع شكوى ضد جرائم الكيان الصهيوني بحق الصحفيين الفلسطينيين".
وفي إطار تضامنها ودعمها للإعلاميين الفلسطينيين ، أعلن خالد البلشي نقيب الصحفيين خلال احتفالية توزيع جوائز الصحافة المصرية في التاسع من يوليو الماضي تكريم الصحفي وائل الدحدوح – مدير مكتب قناة الجزيرة في غزة - بعد حصوله على جائزة حرية الصحافة ممثلا عن الصحفيين الفلسطينيين.
وفقد الدحدوح زوجته واثنين من أبنائه وحفيده في قصف لجيش الاحتلال الإسرائيلي في الأسابيع الأولى من الحرب ، كما تعرض لإصابة خطيره في ذراعه جراء قصف إسرائيلي في 15 ديسمبر الماضي أودى بحياة زميله المصور سامر أبو دقة.. ثم استشهد نجله الأكبر "حمزة" الذي كان يعمل مع شبكة الجزيرة في غارة على سيارة بمنطقة ميراج برفح جنوب قطاع غزة في السابع من يناير الماضي.
وعلى مدار تاريخ الصراع الممتد منذ أكثر من 74 عاما ، استهدف الاحتلال أيضا العشرات من رموز الإعلام الفلسطيني من بينهم رسام الكاريكاتير الأشهر "ناجي العلي" الذي قتل في لندن برصاص عميل لجهاز "الموساد" الإسرائيلي في صيف عام 1987...والصحفية الفلسطينية -التي تحمل الجنسية الأمريكية- شيرين أبو عاقلة التي قتلت بنيران قناص إسرائيلي أثناء تغطيتها لعملية مداهمة لجيش الاحتلال لمخيم جنين شمال الضفة الغربية في 11 مايو 2022.
* صحفيون في أقبية السجون الإسرائيلية:
ولا يواجه الصحفيون الفلسطينيون المخاطر على حياتهم فقط ، وإنما يواجهون أيضا التهديد بالاعتقال أثناء سعيهم لنقل الحقيقة للرأى العام العالمي وتفنيد الرواية الإسرائيلية الغارقة في الأكاذيب ، مما أعاق قدرتهم على أداء رسالتهم حول مجريات الحرب بحرية.
ووفقا لاحصاءات نقابة الصحفيين الفلسطينيين، فإن 100 صحفي وصحفية اعتقلوا منذ السابع من أكتوبر الماضي، تبقى منهم رهن الاعتقال 45 صحفيا، حوّلت سلطات الاحتلال معظمهم إلى الاعتقال الإداري (بدون تهمة أو محاكمة) ، فيما لا يزال 4 صحفيين في عداد المفقودين.
وأشارت إلى أن الاحتلال استهدف حتى مايو الماضي 77 منزلا للصحفيين في قطاع غزة بصواريخ الطائرات وقذائف المدفعية ، فيما دمر 86 مكتبا ومؤسسة إعلامية تدميرا كليا أو جزئيا، كما توقفت 25 إذاعة محلية في غزة عن العمل، وتضررت الحالة الصحفية بسبب الانقطاع المتواصل والمكثف للاتصالات والإنترنت، وهو أساس العمل الصحفي ونقل الخبر والصورة.
ويعلق عبد الناصر فروانة، المسؤول في هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية على اعتقال الصحفيين قائلا لـ (أ ش أ) : إن سلطات الاحتلال لم تستثنِ الإعلاميين يوماً مضى من اعتقالاتها، فداهمت واقتحمت مقارا إعلامية مرارا وصادرت منها كاميرات ومعدات مختلفة، وزجت بالكثير من الصحفيين والعاملين في المؤسسات الإعلامية في سجونها ومعتقلاتها.
ويضيف فروانة أن سلطات الاحتلال صعدّت من استهدافاتها للعاملين في مجال الإعلام منذ السابع من أكتوبر، فاعتقلت خلال الحرب، نحو (108) صحفيا/ة، تبقى منهم رهنّ الاعتقال (59) من بينهم (7) صحفيات، و(22) صحفياً من غزة، ومن بين الصحفيين المعتقلين نحو (14) صحفياً رهن الاعتقال الإداري، بلا تهمة رسمية أو محاكمة، وفقا لمعطيات مؤسسات الأسرى الفلسطينية.
* "سديه تيمان".. شهادات مرعبة وانتهاكات صارخة:
ويحتجز معتقَلو غزة في زنازين العزل الانفرادي وأقسام بعيدة وسجون سرية عديدة، ومن غير المسموح الوصول إليها أو التواصل مع من يقبعون داخلها، ومنها سجن "سديه تيمان" سيء السمعة في بئر السبع في صحراء النقب، والذي افتُتح مع بداية الحرب خصيصاً من أجل معتقَلي غزة.
وبجهود من مؤسسات حقوقية مختلفة وفي ظل صعوبات وتحديات جمة، وبعد منع استمر شهورا من قبل سلطات الاحتلال، تمكن المحامي خالد محاجنة المختص في مجال الدفاع عن المعتقلين والأسرى الفلسطينيين في 19 يونيو الماضي من زيارة الصحفي محمد صابر عرب (42 عاما)، مراسل فضائية "العربي" الذي اعتقله جيش الاحتلال من مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة خلال العدوان الواسع على المجمع في شهر مارس الماضي.
ووفقا لهيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين (حكومية) ، فإن الزيارة التي استمرت لمدة 45 دقيقة، تمت تحت قيود ورقابة مشددة من قبل جنود الاحتلال، وكان أول تساؤل وجهه "عرب" للمحامي محاجنة أين أنا؟، فلم يكن يعلم أنه محتجز في معسكر (سديه تيمان) لأنه كان في حالة عزل عن العالم الخارجي وعائلته ومحيطه.
وفي تفاصيل الشهادة المرعبة والمروعة والصادمة التي نقلها محاجنة عن الصحفي محمد عرب، وأوردتها هيئة شؤون الأسرى جاء أن "إدارة المعسكر تبقي المعتقلين مقيدين على مدار 24 ساعة، ومعصوبي الأعين، فمنذ خمسين يومًا لم يبدل محمد ملابسه، وقبل الزيارة فقط سُمح له باستبدال بنطاله، بينما بقي بسترة لم يستبدلها منذ خمسين يومًا".
وأوضح عرب في شهادته "أنهم يتعرضون على مدار الوقت لعمليات تعذيب، وتنكيل، واعتداءات بمختلف أشكالها ومنها اعتداءات جنسية، ومنها عمليات اغتصاب، والتي أدت مجملها إلى استشهاد معتقلين، كما أنّ عمليات الضرب، والتنكيل، والإذلال، والإهانات لا تتوقف، ولا يُسمح لأي معتقل الحديث مع أي معتقل آخر، ومن يتحدث يتم الاعتداء عليه بالضرب المبرح، حتى أصبح المعتقلين يتحدثون مع أنفسهم، ويستمرون بالتسبيح والدعاء في سرهم، وهم محرمون من الصلاة، ومن ممارسة أي شعائر دينية".
أما بالنسبة لظروف احتجاز المرضى والجرحى منهم هناك من بُترت أطرافهم، وتمت إزالة الرصاص من أطرافهم دون تخدير.
ونقل مراسل فضائية "العربي" المزيد عن أبرز ظروف الاحتجاز التي يخضعون لها، فعدا عن عملية التقييد والتعصيب التي تتم على مدار الوقت، فهم محاطون بالكلاب البوليسية على مدار الوقت، ويُسمح لكل أربعة معتقلين استخدام دورة المياه لمدة دقيقة، ومن يتجاوز الوقت يتعرض لـ"العقاب"، وينام الأسرى على الأرض، ويستخدمون أحذيتهم كمخدات للنوم، وبالنسبة للاستحمام فإنّ الوقت المتاح مرة واحدة في الأسبوع لمدة دقيقة، ويُمنع النوم خلال النهار.
ولفت إلى أنه تم السماح له بحلاقة شعره بعد اعتقاله بخمسين يوما، أما على صعيد الطعام فهو عبارة عن لقيمات من "اللبنة"، وقطعة من الخيار أو البندورة وهي الوجبة التي تقدم لهم على مدار الوقت".
وافتتح "سديه تيمان" بعد نشوب الحرب على قطاع غزة، ويعد من المعتقلات السرية التي اكتسبت شهرة واسعة بعد اتهام سلطات الاحتلال الإسرائيلية باستخدامه لتعذيب آلاف المعتقلين الفلسطينيين، بما في ذلك أشخاص تقرر فيما بعد أنه لا علاقة لهم بحماس أو الفصائل الفلسطينية الأخرى. وفي شهر أغسطس الماضي ، تصدَّر السجن سيء السمعة عناوين الأخبار بعد أن تم تصوير مجموعة من الجنود في مقطع فيديو وهم يعتدون جنسياً على أسير فلسطيني.
وبحسب محاجنة، فإن "القيود الحديدية على يد الصحفي محمد عرب لم تنزع لمدة 100 يوم، ويتم فكها مرة واحدة، عندما يتم السماح للمعتقلين بالاستحمام لمدة دقيقة واحدة فقط، والمعتقل الذي يستحم لأكثر من دقيقة تتم معاقبته بطرق صعبة جدا".
ولفت المحامي المختص في شئون الأسرى إلى أن "منذ لحظة اعتقاله، تم التحقيق مع عرب مرتين فقط، المرة الأولى تمت بعد اليوم الـ40 من اعتقاله، وذلك بعد استجوابه في تحقيق استمر لساعات وسط تنكيل وتعنيف، في محاولة لانتزاع منه معلومات، والذي بدوره رفض كل ما وجه إليه رغم التنكيل والتعذيب".
وأكمل محاجنة أن "المحققين الذين حققوا مع محمد من وحدات الجيش الخاصة، وإنه عرض بعد التحقيق معه على المحكمة المركزية التي قررت أنه معتقل لأجل غير مسمى، في جلسة عقدت عن بعد، باستخدام أحد هواتف الجنود، حيث نسب القاضي لمحمد تهمة الانتساب لتنظيم غير معروف، حيث لم يكن وجود لأي محام".
م ش ا
أ ش أ
الإعلاميون في غزة.."بالدم نكتب لفلسطين".. فداء للرواية الوطنية للصراع وكشفا لجرائم الاحتلال
فلسطين/الإعلاميون في غزة/مصر
You have unlimited quota for this service