أكد المفكر الدكتور أحمد جمال الدين موسى أن المثقفين يشكلون الفنار أو الشعلة التي تنير الطريق أمام المواطنين في العالم العربي من أجل التغلب على كافة التحديات التي يمر بها وعلى رأسها تحدي الهوية والتقدم والتنمية .
وقال جمال الدين موسى - في حديث لوكالة أنباء الشرق الأوسط الأربعاء - إن الوطن العربي يجابه تحديات كثيرة داخلية وإقليمية ودولية منها تحدي الهوية والتقدم والتنمية ، مشيرا إلى أن الهوية العربية تتعرض لضغوط عديدة، فاللغة العربية تتراجع لحساب اللغات الأجنبية وعلى نحو متسارع، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي مخيف على الأجيال الجديدة أفكارًا وسلوكًا.
وأوضح أن تحقيق الصمود في مواجهة هذه التحديات يعيدنا لنقطة الوعي ، لكنه أيضًا يقتضي جهدًا اقتصاديًا جبارا يحقق الاكتفاء ويسد الاحتياجات الأساسية للمواطنين، لافتا إلى أن المثقفين يشكلون الفنار أو الشعلة التي يجب أن تنير الطريق أمام مواطنيهم وتبين لهم المخاطر المحيطة بهم بطريقة موضوعية بعيدا عن التهويل أو التهوين، لكنهم هم أيضًا بحاجة لتمكينهم من أداء هذا الدور في إطار مؤسسي فاعل.
وأكد جمال الدين أهمية "الإصلاح المؤسسي" لتطوير أداء كافة مؤسسات المجتمع لخلق أجيال يكون الوعي منهجا لتفكيرها وتكون قادرة على التفاعل مع قضايا الوطن بإيجابية.موضحا أن وعي الإنسان هو نتاج تفاعل وامتزاج عوامل عديدة، يرجع بعضها لتكوينه الوراثي، ولتأثير العائلة والنشأة والمدرسة والجامعة، وللصداقات والعلاقات التي يقيمها، وللمصادر الإعلامية التي يتفاعل معها على تنوعها، وأيضًا للتجارب التي يمر بها.
ودعا إلى أن تكون كل تلك العناصر، أو على الأقل معظمها، محل اهتمام الدولة والمجتمع والنخب المثقفة للتأثير إيجابيا على مستوى الوعي وروح الانتماء الوطني لدى أجيالنا الجديدة.
وشغل الدكتور أحمد جمال الدين موسى منصب وزير التربية والتعليم في حكومات مختلفة ، كما شغل العديد من الوظائف المرموقة في الجامعة وفي الحياة العامة، وهو مفكر وأديب وأصدر العديد من المؤلفات في العلوم الاقتصاديّة والاجتماعية ونشر عددا من الروايات .
وحصل موسى على جائزة الدولة التقديريّة في العلوم الاجتماعيّة لعام 2007، وعلى جائزة الدولة التشجيعيّة في العلوم الاقتصاديّة والماليّة في العام 1991، وعلى نوط الامتياز من رئيس الجمهورية في العام 1995، وعلى جائزة الدولة في العلوم البيئيّة من أكاديميّة البحث العلميّ في عام 1992.
( نسق فكري يجمع العقلانية والأبعاد الروحية )
وحول إمكانية تأسيس نسق فكري يجمع التنوير والعقلانية من ناحية والأبعاد الروحية للإنسان من ناحية أخرى ، قال الدكتور أحمد جمال الدين إن الإنسان روح وجسد، ولا يستطيع العيش بدون أي منهما لأن الغذاء الروحي للإنسان يرتبط بمعتقداته وأفكاره التي يملك حرية اختيارها والاقتناع بها، ولا ينبغي أن تتعرض هذه المعتقدات والأفكار الذاتية لأي تقييد أو تعسف ما دامت لا تضر بالمجتمع أو تسيئ للآخر ، كما أن الشؤون الاقتصادية والسياسية والاجتماعية سعى البشر لتنظيمها في إطار المجتمع لأنها نوع من المشاركة والتفاعل بين المواطنين تقوم على نوع من العقد الاجتماعي بين الفرد والحكومة بما يحقق المصلحة العامة.
وشدد على أنه لا يوجد تعارض على الإطلاق بين حرية الدين وحرية الاعتقاد من جانب والتنظيم الوضعي العقلاني والرشيد لشؤون المجتمع من خلال الدولة التي تمثل كافة المواطنين وترعى مصلحتهم في إطار احترام المبادئ العامة الأخلاقية والروحية التي تحض عليها كافة الأديان والشرائع.
وللدكتور أحمد جمال الدين موسى نتاج أدبي متميز يتمثل في روايات "فتاة هايدلبرج الأمريكية" و"لقاء في واحة الحنين" و" ملك التنشين" و"مصير خبيئة حارسة المعبد" بالإضافة إلى " قراءة في مذكرات جدي".
وفيما يتعلق بوجود رابط بين هذه الأعمال ، قال المفكر الدكتور أحمد جمال الدين:" لا أعرف ما إذا كان هناك رابط واضح بين تلك الروايات أم لا. لكنها بالتأكيد نتاج كاتب له ذات الأفكار والهموم والأحلام التي تشغله ، مشيرا إلى أن رواية "فتاة هايدلبرج الأمريكية" تطرح من منظور جديد علاقة الشرق بالغرب، وقضايا التعسف والعنصرية التي يتعرض لها بعض العرب في المجتمعات الغربية، لكنها ترسم أيضًا علاقة حب رومانسي بين مبعوث مصري وفتاة أمريكية على أرض ألمانية.
وذكر أن رواية "لقاء في واحة الحنين" تحكي مسيرة حياة سبعة شبان شاركوا في الحركة الطلابية بجامعة القاهرة في يناير 1972 حتى التقوا من جديد بعد أربعين سنة، وتفاوتت توجهاتهم الفكرية والسياسية وظروفهم الاجتماعية والاقتصادية وتغيرت بتغير الظروف التي مر بها الوطن ، فيما ترسم رواية "ملك التنشين" رحلة حياة قصيرة نسبيًا لشاب فقير نابه ومتفوق حصل على أعلى الشهادات العلمية من فرنسا وعاد ليشغل مناصب مهمة، لكنه كان مصابًا بداء التنشين أو التصويب إلى أعلى، مخترقًا الحواجز في سعي حثيث للصعود الطبقي السريع.
(مذكرات الجد ..رصد للتغيرات المجتمعية والثقافية)
وحول " مصر الريفية ..قراءة في مذكرات جدي" وكيف رصدت تلك المذكرات التغيرات المجتمعية والثقافية للمجتمع ، قال جمال الدين إن:" الفضل الرئيسي في هذا الكتاب هو لجدي الذي ترك لنا مفكراته السنوية التي غطت معظم السنوات الواقعة بين عامي 1926 و1964 .. نبهني والدي رحمه الله لأهميتها، فوجدتها كنزًا يحسن أن نُطلع الناس، خاصة الباحثين، على مضمونه، فقمتُ بتقسيم ما جاء في اليوميات إلى موضوعات عشرين، تشمل الزراعة والصناعة والدين والقضاء الشرعي والطقس والحوادث والزواج والطلاق والميلاد والموت والطب والرحلات والحج.. الخ. قدم لهذا الكتاب خمسة من كبار علمائنا في حقول الاجتماع والتوثيق والتاريخ، لأنه يتضمن بحق رصدًا صادقًا لأوضاع الريف المصري في أواسط القرن العشرين".
وأصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب، كتاب "مصر الريفية في أواسط القرن العشرين.. قراءة في مذكرات جدي"، للدكتور أحمد جمال الدين موسى، بتقديم الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع، والدكتورة سهير لطفي أستاذ علم الاجتماع القانوني، والدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث، والدكتور عماد أبو غازي، والدكتور محمد غنيم استاذ الأنثروبولوجيا.
(مسقط الرأس والمسار الفكري)
وعن تأثير مسقط رأسه بلدة "المقاطعة" التابعة لمحافظة الدقهلية على مساره الفكري ، قال الدكتور جمال الدين موسى إن "المقاطعة" قرية مجتهدة حققت نموًا سريعًا في النصف الثاني من القرن العشرين بفضل انتشار روح التكافل بين أهلها واعتمادهم أسلوب الجهود الذاتية في تنمية قدراتهم وبيئتهم الاجتماعية ، لافتا إلى أن ذكرياته عن قريته تتضمنها سيرته الذاتية التي سيصدر قريبًا الجزء الأول منها تحت عنوان "مشاهد تنبض في ذاكرة مثقوبة" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
المفكر أحمد جمال الدين موسى لـ(أ ش أ): المثقفون .."فنار" ينير طريق الأوطان ويدافع عن هويتنا العربية
مصر/عام/مصر
You have unlimited quota for this service