• سامح شكري وزير الخارجية
    سامح شكري وزير الخارجية

طالبت مصر بالوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار في قطاع غزة بلا قيد أو شرط وبوقف كافة الممارسات التي تهدف إلى التهجير القسري لأبناء الشعب الفلسطيني إلى أي مكان خارج أرضه، وبما يمثل خرقاً جسيما للقانون الدولي الإنساني ويرقى إلى جرائم الحرب.
جاء ذلك في بيان جمهورية مصر العربية الذي ألقاه سامح شكري وزير الخارجية خلال جلسة النقاش المفتوح رفيع المستوى لمجلس الأمن بشأن "الوضع في الشرق الأوسط خاصة القضية الفلسطينية" اليوم الثلاثاء بنيويورك.
وقال شكري إن الأراضي الفلسطينية تشهد في هذه اللحظة أحداثاً مروعة، حيث زاد عدد ضحايا الأعمال العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة عن خمسة آلاف ضحية من المدنيين الأبرياء، ضمنهم أكثر من ألفي طفل في فترة زمنية لا تتجاوز ثلاثة أسابيع، ولا تزال آلة الحرب مستمرة وبصورة عشوائية - في حصد الأرواح بدون تفرقة أو تمييز.
ورغم هذه الصدمة الإنسانية، وما تشهده على مدار الساعة من ضحايا.
وتابع "من المؤسف - بل والمخزي - أن البعض ما زالوا مستمرين في تبرير ما يحدث، تحت شعار حق الدفاع عن النفس ومقاومة الإرهاب... وأتساءل اليوم... أي حق هذا الذي يسمح لصاحبه عدم التفرقة بين عدو يستهدفه ومدنيين عزل، فرض عليهم القدر أن يعيشوا لقرون على هذه البقعة من وطنهم، وأن يُفرض عليهم حصار ..... على مليونين ونصف من المدنيين، يتعرضون للقتل والتجويع والتهجير قسراً".

وقال وزير الخارجية - في بيان مصر - "إن المشاهد التي فرضها علينا هذا الصراع منذ بدايته، إنما تدمي قلوبنا لقسوتها، فالأطفال الذين فقدوا أرواحهم أو أمهاتهم أو أخوتهم أو أباءهم لا يستحقون ما تعرضوا له وليسوا مسئولين عما ألم بهم ولا تتحمل ضمائرنا معاناتهم" مؤكدا أن الصمت في هذا التوقيت مباركة، وعدم تسمية الأشياء بأسمائها، والاكتفاء بإطلاق النداءات الجوفاء بتوقع احترام قواعد القانون الدولي الإنساني، دون توصيف ما يحدث بأنه خرق فعلي لهذا القانون وحقوق الانسان الذي يتشدقون بها، إنما يعد "مشاركة لما يقترف".
وأضاف شكري أن محاولة اختزال معاناة شعب بأكمله لمدة تزيد عن سبعة عقود في ملابسات فصل أخير من تلك المعاناة، هي محاولة بائسة لتبرير انتهاكات صارخة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وترقى لأن تكون ضوء أخضر لاستمرار المعاناة غير المسبوقة التي يتعرض لها أهل قطاع غزة، مشيرا إلى أن مصر بادرت بإدانة استهداف المدنيين.. أي مدنيين.. مضيفا "وإنني أكرر وأؤكد مرة أخرى بأن مصر لا تقبل أي استهداف للمدنيين العزل من أي طرف أو احتجازهم ليصبحوا أداة للمقايضة، ولا تقبل بأي مبرر يساق في هذا الصدد، وتطالب بالإفراج عنهم، فالإنسانية لا تجزا وليس بها انتقائية".
واستطرد قائلا: "ولكن إذا كان البعض منشغلاً بلعبة إلقاء اللوم، بينما يستمر القتل والتدمير دون توقف، فلعله من المهم أن يدرك هؤلاء أن اللحظة التي نعيشها حاليا لم تأت من فراغ بل هي نتاج لتراكم ممارسات وسياسات هدفها الوحيد تكريس احتلال غير شرعي، وسلب الأرض من أصحابها، وفرض واقع ديموغرافي جديد" موضحا أن مصر سبق وأن حذرت، مرارا وتكراراً، من الاكتفاء بالدعوة على استحياء لتفعيل عملية السلام، ومن تقاص المجتمع الدولي عن استخدام الأدوات المتاحة لديه لإنفاذ التوافق الدولي على تسوية القضية الفلسطينية بناء على حل الدولتين وقرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية.
وأشار إلى أن مصر حذرت في أكثر من موضع من استمرار وتكليف الممارسات الإسرائيلية خلال الفترة الماضية، لاسيما الإمعان في إضعاف السلطة الفلسطينية وإشعارها بأن خيار السلام غير مجد، وسياسات الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وحصار القطاع، والاقتحامات العسكرية الإسرائيلية لمدن الضفة والاعتداء على المقدسات والتراجع المستمر من قبل إسرائيل عن أية تفاهمات يتم التوصل إليها لتهدئة الأوضاع على الأرض" موضحا أن كل ما تقدم وصل بنا إلى هذه اللحظة البائسة التي نعيشها.

وقال وزير الخارجية سامح شكري إن قرارات مجلس اللأمن والجمعية العامة عكست عبر تاريخ الأزمة إجماعًا واضحًا وقاطعًا على تسوية القضية الفلسطينية وليس على تصفيتها سواء من خلال الأعمال العسكرية أو الاستيطان، أو ما تشهده الآن من محاولات التهجير القسري.
وأكد شكري مجدداً على ما ذكرته مصر خلال قمة القاهرة للسلام بأن حل القضية الفلسطينية ليس التهجير، وليس إزاحة شعب بأكمله إلى مناطق أخري، بل إن حلها الوحيد هو العدل بحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة في تقرير المصير والعيش بكرامة وأمان في دولة مستقلة على أرضهم، مثلهم مثل باقي شعوب الأرض، " فالشعب الفلسطيني لن ينزح عن أرضه بل متشبث بها ولن تقبل مصر أن يهجر أو أي محاولة للتصفية القضية الفلسطينية على حسابها، والدول بالمنطقة".
وأوضح أن النظر عبر التاريخ يخبرنا بوضوح أن الشعب الفلسطيني، رغم التحديات ظل صامداً على أرضه، وأن القضية الفلسطينية عبر كل مراحلها لم تمت بل بقت أيضاً صامدة بقدر ما لها ولشعبها من مطالب مشروعة وحقوق لا جدال حولها، وأن كل ما حصده العالم من تأجيل للحل وتغييب آفاقه، كان المزيد من الاضطراب والآلام داخل فلسطين المحتلة وإسرائيل والمنطقة بأسرها.
وأضاف "تابعنا بأسف عجز المجلس الموقر مرتين، عن إصدار قرار أو حتى نداء يوقف إطلاق النار لإنهاء هذه الحرب، كما نستغرب أيضا في ظل هذا الوضع المتأزم من أية محاولات جديدة لإصدار قرارات لا تتضمن مطالبات بوقف إطلاق النار للحيلولة دون انزلاق الأوضاع إلى المزيد من التدهور الذي قد يقود المنطقة إلى منعطف خطير يحمل تبعات جسيمة .... بل إن بعض ما يُطرح الآن في المجلس يرقى لأن يكون محاولة جديدة لتبرير استمرار الحرب، وهو ما يتنافى مع ميثاق المنظمة المنشئ لهذا المجلس، والذي حدد ولايته واختصاصه".
وشدد وزير الخارجية على أن مصر قامت بتوفير منصة لقادة الدول والحكومات من خلال قمة القاهرة للسلام التي عقدت في 21 الجاري، لمحاولة احتواء الموقف وإيجاد إطار سياسي للتعامل مع الأزمة بدلاً من ترك العنان لدعوات القتل والعنف والتدمير، وقد عمدت القمة إلى اتباع نهج غير مسيس يستند إلى مراعاة البعد الإنساني الملح لهذه الكارثة، ولقد تطلعنا من ذلك إلى التوصل إلى توافق ولو مبدئي حول تخفيض حدة الصراع وبما يقود إلى وقف إطلاق النار وحماية المدنيين ونفاذ المساعدات الإنسانية، وإعادة إحياء عملية السلام.
وقال سامح شكري "إننا سنواصل جهودنا في هذا السياق، وأن تغمض لنا عين حتى تنتهي هذه الحرب؛ إلا أنناء وفي إطار المصارحة، ناسف لما تم تكريسه منذ بداية التصعيد الحالي، من ازدواجية في التعاطي مع الأزمات الدولية، بما في ذلك الشق الإنساني منها، فبينما يهرول البعض ويتنافس لإظهار التعاطف مع الضحايا المدنيين في مكان وإدانته بأشد العبارات الواضحة غير القابلة للبس لمن يراه المتسبب فإنه يكتفى بغض البصر، بل ويسارع في تبرير قتل واستهداف المدنيين ومنشأتهم وحياتهم في مكان آخر، " وكما لو كانت أرواح الفلسطينيين أدنى مرتبة من باقي البشر أو لا تستحق جهداً في حمايتها والدفاع عنها".
وقال شكري "جنتكم اليوم ممثلاً لمصر التي فتحت باب السلام في المنطقة، لأحذر من العواقب الوخيمة للعجز الدولي عن التعامل مع الأزمة الحالية وتأثيرها على أفق السلام في المنطقة وتطلعات شعوبها في الأمان والتعايش والاستقرار".
وأضاف وزير الخارجية "وأطالبكم اليوم قبل فوات الأوان وباعتبار المجلس أعلى هيئة سياسية معنية بحفظ الأمن والسلم الدوليين، بالعمل على التالي:
أولاً: الوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار في قطاع غزة بلا قيد أو شرط.
ثانيا: وقف كافة الممارسات التي تهدف إلى التهجير القسري لأبناء الشعب الفلسطيني إلى أي مكان خارج أرضه، وبما يمثل خرقاً جسيما للقانون الدولي الإنساني ويرقى إلى جرائم الحرب.
ثالثا: توفير حماية دولية فورية للشعب الفلسطيني الأعزل.
رابعاً: ضمان النفاذ الأمن والسريع والمستدام للمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وتحمل إسرائيل مسئوليتها الدولية كقوة قائمة بالاحتلال.
خامسا: التوصل إلى صيغة ملزمة لإنفاذ تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفق المحددات المتفق عليها بناء على قرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية، والتي تقضي بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية على خطوط الرابع من يونيو لعام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
سادسا: تحمل المجلس مسئوليته في العمل على إطلاق تحقيق مستقل حول الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
وقال شكري، في ختام بيان مصر، إن ما سبق هو أبسط ما ننتظره من مجلسكم الموقر المسئول الأول عن حماية السلم والأمن الدوليين، قبل أن تتفاقم الأزمة الحالية، وتتناثر شظاياها بدول المنطقة، ونضطر إلى العودة مجدداً إلى المجلس لمناقشة أزمة أعمق وأكبر مما نواجهه اليوم وبعد فوات الأوان.