عمان في 31 مارس /أ ش أ/
تعد وثيقة ضبط "الجلوة العشائرية" بالأردن هي التي وضعت حدا لخروج البعض عن العادات والأعراف والتقاليد العشائرية المتبعة، والتشدّد بالمطالبات المادية والمعنوية، وعلى نحو يخالف شريعتنا الغراء والديانات السماوية جمعاء وقيمنا الإنسانية، وخاصة فيما يتعلق بالجلوة وتبعاتها.
وفي سبتمبر عام 2021، أعلن وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية، وثيقة ضبط "الجلوة العشائرية" التي أعدتها وزارة الداخلية، بالتعاون مع الجهات المعنية، بحضور حينها وزيري العدل الدكتور أحمد زيادات، والأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الدكتور محمد الخلايلة، ومستشار الملك عبدالله الثاني لشؤون العشائر، وقاضي القضاة الشيخ عبد الحافظ الربطه، ومفتي عام المملكة الشيخ عبد الكريم الخصاونة، وأمين عام وزارة الداخلية الدكتور خالد أبو حمور، ومطران الأردن رئيس مجلس الكنائس في الأردن المطران خريستوفورس عطا الله، ومحافظي الميدان عبر تقنية الاتصال المرئي والمسموع، ومساعد مدير الأمن العام للقضائية العميد محمد طبيشات.
وقتها قال الفراية لدى ترؤسه الاجتماع لهذا الشأن، إن التوجيهات الملكية أكدت باستمرار ضرورة حفظ الأمن والنظام العام وتأمين الحياة الكريمة للمواطن الأردني ومنع أي تجاوزات على حق المواطن في الحياة والعيش الآمن في مكان سكنه وإقامته وهو مبدأ وثيقة ضبط "الجلوة العشائرية".
وأشار وزير الداخلية الأردني حينها، إلى أن هذا اللقاء المهم يهدف إلى إشهار خطوة مهمة على طريق إنهاء ممارسة تسربت إلى عاداتنا وتقاليدنا، بما يسمى "الجلوة العشائرية"، مبينا أن القرآن الكريم حث في أكثر من موضع على أهمية الإصلاح بين الناس وتحقيق العدل وعدم تحميل الآخرين نتائج أعمال أو جرائم لم يرتكبوها، امتثالا لقول المولى عز وجل "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، وقوله تعالى "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أخويكم".
وأضاف الوزير الفراية أن العشائر الأردنية تعد إحدى المكونات الأساسية للمجتمع الأردني، وذلك انطلاقا من كونها وحدة اجتماعية راسخة، أركانها (الانتماء للوطن، والولاء للعرش الهاشمي المفدى)، مسخرة طاقاتها وخبرات أبنائها لخدمة الأردن الأقوى والأجمل بعيداً عن العصبيات الضيقة والمصالح الشخصية.
في عام 2021 أي عند إعلان وثيقة ضبط "الجلوة العشائرية"، كان يوجد نحو (413) قضية عشائرية على مستوى الأردن كانت منظورة ويجري التداول بشأن حلها وإنهائها وصولاً إلى الصلح والوئام، إلا أن كثرة الاجتهادات والاختلافات، والبدع الدخيلة، و المغالاة والتشدد من قبل بعض الأطراف المعنية بهذه القضايا أدى إلى تأخير حلها بحسب الفراية.
وثيقة ضبط "الجلوة العشائرية" التي تم اعتمادها، أدت إلى إنهاء الظواهر غير الحضارية، ومنع أي تجاوز على العادات والأعراف العشائرية وإنهاء البدع الدخيلة على المجتمع الأردني بهذا الخصوص، وخاصة فيما يتعلق بالجلوة في ظل التقدم الحضاري والعلمي والعمراني، وقيام البعض بحرق البيوت والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة والأخذ بالثأر وفرض شروط في صكوك الصلح والعطوة تخالف الدستور والقوانين والعادات العشائرية، حيث لا يعقل أن تجلي مئات العائلات من بيوتها ومن مناطق سكناها إلى مناطق أخرى ويستمر هذا الجلاء لأشهر أو سنوات.
وقبل قيام الدولة الأردنية عام 1921، كان القضاء العشائري حاضرا ليفصل بين النزاعات العشائرية، فلم يكن هناك قانون، أو نظام يحدد القواعد والأطر العامة للحقوق، وبالتالي وفي عام 1987 صدرت أول وثيقة لضبط الجلوة العشائرية تحت رعاية الملك الراحل الحسين بن طلال، ومع الأيام والسنين والتطورات والتغييرات، كان التجديد والتعديل هو أساس عمل الوثيقة.
في 5 نوفمبر 2021 ، نفذت محافظة العاصمة عمان أول تطبيق وثيقة ضبط "الجلوة العشائرية" في ثوبها الجديد، حيث اقتصرت على الجاني وأبنائه ووالده، دون أن يتأثر أي طرف في العائلة بهذا الإبعاد، حيث "يختفي من شملتهم الجلوة عن الأنظار ولا يعودون إلا بموافقة أهل المعتدى عليه، ولفترة يحددها اتفاق عشائري" وفقا لقضاة عشائريين.
وتعرف الجلوة بأنها "ترحيل ذوي الجاني عن المنطقة التي يقيم فيها ذوو المجني عليه"، بحسب مسودة القانون المعدل (2016) لقانون منع الجرائم (1954).
وبحسب المسودة "لا تشمل الجلوة إلا الجاني وأبنائه ووالده فقط، وأن لا تزيد مدتها على سنة قابلة للتجديد بموافقة الحاكم الإداري المختص بناءً على توصية المجلس الأمني للمحافظة أو اللواء حسب مقتضى الحال، وأن تكون من لواء إلى لواء داخل المحافظة الواحدة" حسب المادة 16/ب من المسودة.
جاء ذلك بالرغم من صدور "قانون إلغاء القوانين العشائرية رقم (34)" عام 1976 - بما في ذلك قوانين محاكم العشائر، وتأسيس محكمة استئناف عشائرية، والإشراف على البدو - ونشره في الجريدة الرسمية في الصفحة (1299) من العدد (2629).
وتنصّ المادة (9) من الدستور الأردني بأنه "لا يجوز أن يحظر على أردني الإقامة في جهة ما، أو يمنع من التنقل، أو أن لا يلزم بالإقامة في مكان معين إلا في الأحوال المبينة في القانون".
الشيخ عبد الناصر الطراونة "أبو جمال" من كبار وجهاء شيوخ محافظة الكرك وهي إحدى محافظات الجنوب الأردني، يؤكد أن "الجلوة العشائرية" إرث أردني لن يتغير ولن يزول مهما كانت الحياة وتطويرها وتغيراتها، مشيرا إلى أن الأصول والعادات والتقاليد العشائرية الأردنية موجودة في الواقع الأردني وأن القوانين مجرد وضعية وتعود في أصلها إلى الدين والشريعة وهي جزء من أيضا من العادات والتقاليد العشائرية الأردنية الموروثة.
وقال الطراونة - في تصريح لمدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط بعمان - إنه لا يستطيع أحد أن يلغي "الجلوة العشائرية" مهما تغيرت الظروف والأوضاع، مؤكدا أن الحكومات تلجأ إلى العشائر في معظم الأحيان لإنهاء الخصومات والنزاعات بحكم أن الشعب الأردني عشائري بطبيعته رغم مرور هذه العصور والأزمنة.
وأشاد بتطبيق "الجلوة العشائرية" في إنهاء الخصومات والأزمات لأنها نجحت في حقن الدماء ونشر السلام والطمأنينة في نفوس المواطنين بالإضافة إلى عمل الأجهزة الأمنية، مؤكدا أن الجيش والأجهزة الأمنية الأردنية من أصول عشائرية وتعمل وفقا للقانون والدستور في حماية الأردن وشعبه وحدوده وأمنه القومي ونشر الأمن والاستقرار.
والآن بعد أكثر من عام على تطبيق وثيقة ضبط "الجلوة العشائرية"، أعلنت وزير الداخلية الأردني مؤخرا، أن 5500 شخص عادوا إلى منازلهم منذ بدء تطبيق بنود وثيقة ضبط "الجلوة العشائرية" ، إلا أنه أعرب عن تطلعه بما أطلق عليه "الخطوة النهائية" وهي الخلاص من الجلوة العشائرية مرة واحدة وإلى الأبد، وهو ما لم يؤيده الطراونة.
وأشار الفراية، أمام جلسة مجلس النواب، إلى أن 1800 وجيه وشيخ وقعوا على الوثيقة، وأنه سيجري العمل على تجويدها مستقبلا.
"الجلوة العشائرية" بالأردن.. حقن للدماء وحفظ للأمن العام
الأردن/الأردن/تقرير/سياسة
You have unlimited quota for this service