القاهرة في 11 مارس /أ ش أ/ تقرير :أحمد عاشور
لم تكتف الدولة المصرية، بمبادرات التوعية لمواجهة ظاهرة التنمر التي تؤثر على الأفراد والمجتمعات ، بل امتدت جهود مؤسساتها المختلفة ، وعلى رأسها المؤسسة التشريعية إلى تعديل التشريعات لتغليظ العقوبات على المتنمرين، بهدف خلق بيئة أكثر أمانا واحتراما لجميع المواطنين.
وقد أسفرت التشريعات المصرية الحديثة عن نتائج إيجابية ملموسة في التصدي لهذه الظاهرة، مدعومة بحملات توعية مكثفة أطلقتها الجهات الرسمية لرفع مستوى الوعي بخطورة التنمر وأهمية الإبلاغ عنه.
وانعكست جهود الدولة في التصدي للتنمر في زيادة ملحوظة بعدد الشكاوى المتعلقة بحالات التنمر، خاصة في المدارس وأماكن العمل، ما يعكس تزايد ثقة المواطنين في جدية الدولة في التصدي لهذه الممارسات.. كما أن تغليظ العقوبات على المتنمرين كان له أثر رادع في الحد من هذه السلوكيات، بعد أن باتت الإدانة في قضايا التنمر رسالة واضحة بأن القانون سيبقى حاضرا لحماية الجميع.
(تعريف التنمر تشريعيا)
وبحسب التعديلات التي أُدخلت على قانون العقوبات، يُعرف التنمر بأنه: "كل استعراض قوة أو سيطرة للجاني، أو استغلال لضعف المجني عليه، أو لحالة يعتقد الجاني أنها تسيء للمجني عليه بسبب الجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي؛ بقصد تخويفه أو وضعه في موضع السخرية أو الحط من شأنه أو إقصائه من محيطه الاجتماعي".
ووافق مجلس النواب على تعريف التنمر بمشروع قانون العمل الجديد الوارد بالمادة الأولى الخاصة بالتعريفات وجاء التعريف كما يلى:
"التنمر: كل فعل أو سلوك في مكان العمل أو بمناسبته سواء بالقول أو باستعراض القوة أو السيطرة على الغير أو استغلال ضعفه أو لحالة يعتقد مرتكب ذلك الفعل أو السلوك أنها تسيء للغير كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي بقصد تخويفه أو وضعه موضع السخرية أو الحط من شأنه أو إقصائه من محيطه الاجتماعي. بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية أو الإلكترونية، أو أية وسيلة تقنية أخرى".
(تشريعات مكافحة التنمر)
ولم يكن هناك نص قانوني صريح يُجرم التنمر في مصر حتى عام 2020. وفي ذلك العام، أُدخِلت تعديلات على قانون العقوبات لتشمل تجريم التنمر وفرض عقوبات محددة على مرتكبيه، حيث أصدر المشرع المصري القانون رقم 189 لسنة 2020، الذي أضاف مادة جديدة برقم (309 مكررًا ب) إلى قانون العقوبات، لتعريف وتجريم فعل التنمر.
ونصت المادة على : "يُعاقب المتنمر بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على ثلاثين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين".
كما أشارت المادة إلى تشديد العقوبة في حالات معينة، وجاء فيها: "تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا وقعت الجريمة من شخصين أو أكثر، أو كان الجاني من أصول المجني عليه، أو من المتولين تربيته أو ملاحظته، أو ممن لهم سلطة عليه، أو كان مسلمًا إليه بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائي، أو كان خادمًا لدى الجاني. وفي حالة اجتماع ظرفين أو أكثر من هذه الظروف المشددة، يُضاعَف الحد الأدنى للعقوبة".
وفي السياق نفسه، وافق مجلس النواب على المادة "4" من مشروع قانون العمل الجديد والتي تنص على: "يحظر تشغيل العامل سخرة أو جبراً، كما يحظر التحرش أو التنمر أو ممارسة أي عنف لفظي أو جسدي أو نفسي على العامل، وتحدد لائحة تنظيم العمل والجزاءات بالمنشأة الجزاءات التأديبية المقررة لها".
(تغليظ عقوبة التنمر ضد ذوي الإعاقة)
وفي إطار حماية الفئات الأكثر عرضة للتنمر، أُدخل تعديل على قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018، بإضافة مادة جديدة برقم (50 مكررًا) لتشديد عقوبة التنمر ضد هذه الفئة.
ونصت المادة على: "يُعاقب المتنمر على الشخص ذي الإعاقة بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وتُشدد العقوبة لتصبح الحبس مدة لا تقل عن سنتين، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا توافر أحد الظرفين الآتيين: الأول: وقوع الجريمة من شخصين أو أكثر. الثاني: إذا كان الجاني من أصول المجني عليه، أو من المتولين تربيته أو ملاحظته، أو ممن لهم سلطة عليه، أو كان مسلمًا إليه بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائي، أو كان خادمًا لدى الجاني. وفي حالة اجتماع هذين الظرفين، يُضاعَف الحد الأدنى للعقوبة".
(التنمر الإلكتروني والتشريعات ذات الصلة)
ومع انتشار التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت أشكال جديدة من التنمر، أبرزها التنمر الإلكتروني. ولمواجهة هذا النوع من الجرائم، أصدر المشرّع المصري القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات.. رغم أن هذا القانون لم يذكر مصطلح "التنمر الإلكتروني" صراحة، إلا أنه تضمن مواد تعاقب على الأفعال التي يمكن تصنيفها ضمن هذا الإطار.
فقد نصت المادة (25) من القانون على : "يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة، أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته، أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارًا أو صورًا، وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة".
(تحديات مكافحة التنمر)
ورغم التطور التشريعي الكبير في مواجهة التنمر، لا تزال هناك عدة تحديات تعرقل التطبيق الفعلي لهذه القوانين، ووفقًا لما أكده مراقبون وخبراء في الشأن القانوني والاجتماعي فإن أبرز هذه التحديات صعوبة إثبات الواقعة، خاصة في حالات التنمر اللفظي أو النفسي، حيث يكون من الصعب تقديم أدلة قانونية قوية لإدانة المتهم.
كما أصبح التنمر الإلكتروني أكثر تعقيدا مع التطور التكنولوجي، إذ يستخدم المتنمرون حسابات وهمية وأدوات تشفير للهروب من الملاحقة القانونية، مما يجعل تعقبهم صعبا.
وأشار الخبراء أيضًا إلى أن الثقافة المجتمعية تُعد من أبرز العوائق، ففي بعض المناطق يُنظر إلى التنمر على أنه "مزاح" أو "موقف عابر"، مما يقلل من رغبة الضحايا في الإبلاغ عنه، وهو ما يضعف من تأثير التشريعات حتى في حال توفرها.
وهو ما يعني أن مكافحة التنمر ، تتطلب مسؤولية جماعية تشمل تعاون الدولة والمجتمع والأسرة والمدرسة، لمكافحتها.
ومع استمرار حملات التوعية وتطبيق القوانين بحزم، يمكن مكافحة هذه الظاهرة وخلق بيئة أكثر أمانا واحتراما للجميع، مما يسهم في بناء مجتمع متماسك قائم على القيم الإنسانية.
أ ع د/ م ع ى/م ش ا
/أ ش أ/
التشريعات المصرية في مواجهة التنمر...تغليظ العقوبات بهدف خلق بيئة أكثر أمانا للفرد والمجتمع
مصر/تقرير/ التنمر/فن و ثقافة
You have unlimited quota for this service