القاهرة في 27 يناير /أ ش أ/ عرض: محمد موسى

صدر حديثًا كتاب "في قلب اللحظة" للكاتب الصحفي جمال الكشكي رئيس تحرير مجلة "الأهرام العربي"، عن الهيئة العامة المصرية للكتاب، وذلك لقراءة وتحليل واقع إقليم الشرق الأوسط وأزماته، فضلًا عن استشراف مستقبل تلك البقعة الملتهبة من العالم.
ويسلط الكشكي -في كتابه- الضوء على مواقف مصر إزاء التعامل مع قضايا إقليم الشرق الأوسط، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والأزمات في ليبيا والسودان، ودور مصر المحوري في محاولة فرض السلام وإنهاء الخلافات بالطرق الدبلوماسية والحوار.
ويتكون الكتاب من مقدمة وثمانية فصول، وهي: "طائر العنقاء يخرج من الرماد"، و"عدمية القوى العظمى ونظام دولي يتلاشى"، و"أمريكا.. أمريكا.. خاتمة النظام الدولي القديم"، و"روسيا وأوكرانيا لعبة صفرية"، و"مصر النواة الصلبة والخط الأحمر"، و"فلسطين. جمرة النظام الدولي"، و"مصر والسودان.. نهر الأمن القومي"، و"ليبيا.. خط مصر الأحمر في التاريخ والجغرافيا".
ويقول الكاتب، في مقدمة إصداره: "إننا «في قلب اللحظة»، والإقليم العربي يستحق، فالعرب لم يخرجوا من التاريخ أو يفعلوا، كما كتب المفكر المصري الشهير فوزي منصور لحظة يأس ذات مرة".
ويشير إلى أن فلسطين تنزف منذ ثمانية عقود، اشتد نزيفها منذ السابع من أكتوبر 2023، تتعرض للإبادة، وطمس قضيتها من قِبَل مجموعة إسرائيلية متطرفة، مع وجود مجلس أمن دولي عاجز، وقوى دولية ترعى المعتدي، وقوى مجاورة ترعى استمرار هذا النزيف.
ويدعو الكشكي إلى الاستفادة والاستلهام من تجربة مصر في 30 يونيو 2013، كيف نهضت، وكيف صارت مثلًا فريدًا، وكيف كتبت خطابًا مختلفًا، قرأته المنطقة العربية بعناية؟ وسوف تتعافى بهذا الخطاب قريبًا من آثار موقعة الربيع هذه.
كما يتطرق إلى الوضع في السودان وليبيا، وأن هذين البلدين يشكلان، ومصر، أضلاع المثلث الذهبي، ومهما يكن من أمر جرى أو يجري، فإن مصر هي النواة الصلبة لهذا المثلث، كما أنها النواة الصلبة للإقليم ككل، ستواصل مثالها الفريد، انعكاسًا طيبًا على هذين الشعبين الشقيقين، ليعودا طاقة متجددة من الإبداع الإنساني.
ويُظهِر الكاتب قدرًا كبيرًا من التفاؤل بتعافي العراق، وسوريا واليمن ولبنان، ومنطقة القرن الإفريقي، فضلًا عن عودة قوة المغرب العربي لتضاف إلى ميراث العرب المتجدد، وتطور الخليج العربي كقوة اقتصادية واجتماعية تسهم في فتح شرايين الإقليم، كضرورة وحتمية.
كما يُبدِي الكاتب تفاؤلًا بظهور نظام عالمي مختلف، إلى جانب طبعة جديدة من العدالة الدولية، وإن بدت للعيان بعيدة، وإنتاج هندسة جديدة للإقليم العربي.
في هذا الكتاب، محاولة للإبحار في تيارات الأمم السياسية، ونظرة فاحصة على الدور الأمريكي المترامي على المسرح الدولي، وتأمل في مآلات الحرب الأوكرانية-الروسية، وتوقف طويل عند القضية الفلسطينية بتعقيداتها الدولية، وانفجاراتها الإقليمية، في دول الطوق وبخاصة لبنان الذي واجه أكبر محنة في تاريخه الحديث بعد عدوان إسرائيل الذي قد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، وتساؤل عن ماهية النظام العالمي المحتمل، بل هو محاولة جادة تغوص تحت جلد الإقليم العربي، وأولًا وأخيرًا هو قراءة دقيقة في لحظة مصر، أمة ودولة وإقليمًا، وارتباطها الوثيق بكل ما يجري في الإقليم والعالم، وكيف أنها تمتلك رؤية إستراتيجية للإقليم، تقوم على إدراك معرفي عميق، بأهمية إعادة هندسة الإقليم طبقًا لمصالحه الإستراتيجية.
ويتطرق الكاتب -في طيات كتابه- إلى تعامل مصر مع القضية المركزية للعرب، فعلى مدى عقود تدفع مصر ثمنًا باهظًا، تدفع راضية عن إيمان راسخ، في سبيل تحقيق الاستقلال الكامل لدولة فلسطين، وفق حدود 4 يونيو 1967.
ويرى الكاتب أن السابع من أكتوبر 2023 كان لحظة فاصلة في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بينما عبَّرت مصر عن موقفها بوضوح، وحذرت من الصدام الدامي بين الشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال على مدى ثمانية عقود، وبين إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال.
وكشفت مصر عن السيناريوهات المحتملة، حيث حذرت من المخططات القديمة المتجددة، ومنذ اللحظة الأولى عبَّرت عن ثوابت الإستراتيجية المصرية القائمة على أن السلام خيار إستراتيجي، ذلك السلام الذي يحميه امتلاك عناصر القوة، ومصر لديها هذه القدرات وتلك العناصر، بما يضمن إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
ويتابع الكاتب: "ولأن مصر هي نواة الإقليم العربي الصلبة، والإقليم مجالها الحيوي الإستراتيجي، فهذا هو دورها القومي الذي لا تتخلى عنه في أصعب الأوقات.. ولأن فلسطين الواقعة على تخومها الشرقية الشمالية، تشكّل المعبر، والجسر الدائم والتاريخي للأخطار المتتالية، سارعت مصر إلى التحذير من خطر اتساع العدوان على الفلسطينيين، ومن مخطط تهجيرهم من أراضيهم، بهدف تصفية القضية الفلسطينية، ومنع إقامة دولتهم المستحقة، ورسمت خطًا أحمر، في خطاب قاطع من رئيس الجمهورية الرئيس عبد الفتاح السيسي حمايةً للأمن القومي المصري والعربي".
ترى مصر عن حق ويقين أن إيقاف الحرب الإسرائيلية الدائمة على الشعب الفلسطيني ضرورة إقليمية، وعالمية، وأن الشروع في الاعتراف بدولة فلسطينية تحظى بعضوية كاملة في أروقة الأمم المتحدة حتمية تاريخية، حتى يتسنى للفلسطينيين أن يعيشوا في دولة مستقلة ذات سيادة وحدود مُعترَف بها دوليًا.
ويشير الكاتب إلى أن العالم الغربي -بشقيه الأوروبي والأمريكي- قد لا يدرك الأخطار من المخططات الإسرائيلية التي تقوم على تهجير الفلسطينيين قسريًا، وشطب القضية الفلسطينية، واحتلال الأراضي المتبقية من فلسطين التاريخية.
ويقول إنه رغم عدم إدراك القوى الغربية هذا الأمر، فإن الموقف المصري واصل ثباته في التعبير الأمين عن القضية الفلسطينية، أمام زعماء وقادة العالم، متسلحًا بعدالة القضية، مطالبًا المؤسسات الدولية بالقيام بدورها طبقًا للقانون الدولي.
ويرى الكاتب أن الحرب الحالية لم تبدأ فجر السابع من أكتوبر، كما قال -عن حق- أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، في الأيام الأولى للحرب، إنما تعود إلى ثمانية عقود على الأقل.. وأن مصر لا تتوقف عن مواصلة سعيها لإيقاف الحرب على فلسطين، واستعادة الاستقرار في الأراضي المحتلة، وبقية دول الإقليم العربي في البحر والبر، محذرةً من اتساع نطاق الحرب، وهو ما يجري بالفعل على الحدود الجنوبية اللبنانية والعراق، وباب المندب، وإيران بعد المبارزة المتبادلة بينها وبين إسرائيل بالمسيَّرات والصواريخ المتبادلة.
ويُبرِز أن التقدير المصري الإستراتيجي للمسألة الفلسطينية هو تقدير يستند إلى عمق الرؤية، ويقوم على أن استقرار الشرق الأوسط والعالم لن يحدث من دون إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، على حدود الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
كما يتطرق الكاتب إلى الحديث عن ليبيا باعتبارها أحد أضلاع المثلث الذهبي في المكان والزمان، تشكّل مع مصر والسودان حصنًا منيعًا للأمن القومي العربي، وفي كل المحطات التاريخية كانت حاضرة دائمًا داخل عقل وقلب القاهرة، نسبًا ومصاهرة وقرابة، ماضيًا وحاضرًا.
ويقول: "تشارك مصر في حدود تمتد إلى 1200 كيلو متر مربع، وتحفل سجلات التاريخ بروابط بين الشعبين والبلدين، تكاد تكون واحدة، منذ ما قبل عصر الأُسرات المصرية القديمة".
ويؤكد الكشكي أن "الأمن القومي المصري خط أحمر ممنوع الاقتراب منه أو المساس به، فدروس الماضي تحمل رسائل خطيرة لا يمكن أن نسمح بتكرارها، فالحفاظ على مشروع الدولة الوطنية له ثمن، جاهزون لسداده حتى آخر نفس".
ويتابع أنه "إذا تحدثنا عن الموقف المصري يتأكد للجميع أن الأمة المصرية تتعامل وفق ثوابت ومحددات، وإطار واضح يقوم على سلسلة من المواقف والتحركات المعلنة والواضحة، والتي تهدف إلى وحدة وسلامة أراضي وشعب الدولة الليبية، مقدمة هذه الثوابت تمثلت فيما أعلنه رئيس الجمهورية الرئيس عبد الفتاح السيسي، في يونيو 2020 من قاعدة محمد نجيب، بأن «سرت-الجفرة» خط أحمر، وكانت رسالة واضحة أوقفت إطلاق النار منذ أكتوبر 2020".
ويرى الكاتب أن الدبلوماسية المصرية تهدف إلى توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، لا سيما أن مصر والأمم المتحدة استضافتا عشرات الجولات من المفاوضات من أجل تحقيق هذا الهدف، وحققت هذه اللجنة نتائج باهرة، في مقدمتها الاتفاق على فتح الطريق الساحلي بين شرق وغرب ليبيا.. كما أن هناك إصرارًا مصريًا لدعم مؤسسات الدولة الليبية، حتى تعود ليبيا إلى دورها الطبيعي في الساحتين العربية والإفريقية، لتعزيز الثقة بالمؤسسات الوطنية الليبية، مثل الجيش والبرلمان الليبي باعتبارهما من المؤسسات الوطنية، والحفاظ عليهما ضمن رؤية شاملة تعزز الاستقرار والحوار والتفاهم بين أبناء الشعب الليبي، ما يؤكد أن الدولة المصرية ترسخ الوحدة الليبية.
ويشير إلى أن كل هذه الثوابت تؤكد أن مصر لم تتوان في دعم كل ما من شأنه أن يسهل الحياة على الليبيين، لذلك تعمل القاهرة عبر الشركات والخبرات المصرية على دعم جهود إعادة الإعمار، وتقوم الشركات المصرية بالعمل على إعادة الخدمات إلى مناطق الشعب الليبي، دون تمييز منطقة على أخرى، انطلاقًا من هذه المواقف والثوابت المصرية تجاه القضية الليبية.
ويتناول الكاتب الحديث عن السودان الذي يأتي ذكره معطوفًا وملازمًا ومتلازمًا مع مصر، في أسهل وأقرب جملة يمكن ترديدها على لسان الشعبين: "مصر والسودان"، فما بين الدولتين من فواصل ما هي إلا خطوط وهمية وضعها الاستعمار للتفرقة بين الدول، لكن في هذه الحالة مصر والسودان فشل الاحتلال البريطاني في تمزيق علاقة من هذا النوع، فالبلدان يجري فيهما شريان واحد، يمد كلًا منهما بالحياة، متمثلًا في نهر النيل.
ويؤكد أن علاقات الشعوب أقوى بكثير من محاولات اللعب في الملفات السياسية المشتركة، والأدلة والمعطيات على أرض الواقع تقول إن مستوى الآليات التنفيذية والمشتركة بين مصر والسودان ليس لها مثيل على مستوى العالم بين أي دولتين، حتى بين مصر وأي دولة أخرى.
ويُبرِز الكاتب أن "السياسة المصرية تحرص على إقامة علاقات تتميز بالخصوصية والتفاهم العميق مع السودان الشقيق، وتطوير علاقاتنا الاقتصادية المشتركة، وإحداث نقلة نوعية فيها، تتماشى مع ما يطمح إليه الشعبان، لا سيما بعد ثورة 30 يونيو 2013 المصرية".
ويرى أن التحديات مشتركة وما يُحاك للقارة الإفريقية ليس سرًا، وفي ضوء ذلك فإن مصر دائمًا تحرص على استقرار السودان وأمنه لارتباط ذلك بالأمن القومي للدولتين.
ويتابع الكاتب أن السودان دولة محورية كبيرة، أنجبت علماء وأدباء وشعراء وساسة ودبلوماسيين، دولة لعبت أدوارًا مهمة في توقيت فاصل، تحمَّلت الكثير عبر مراحل بنائها، لها تجاربها الخاصة قبل الاستقلال وبعده، تعاقب على قيادتها عشرات من القوى والشخصيات، لكنها تظل ثابتة رافعة هامتها الجغرافية ومتكئة على تاريخها الوطني.
ويقول الكشكي إن الأشقاء في السودان يدركون جيدًا أهمية مصر الدولة والدور، فكتب الشاعر تاج السر الحسن "مصر يا أخت بلادي"، نعم مصر أخت السودان، وهموم البلدين على المسرح الدولي تلتقي عند ثوابت الأمن القومي العربي.
ويستعرض جهود القاهرة التي بدأتها منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية وميليشيا الدعم السريع، وواصلت اتصالات ومباحثات ومفاوضات مستمرة، من أجل إيقاف نزيف الانهيار المتواصل الذي يكاد يعصف بدولة وطنية مهمة مثل الشقيقة السودان.
ويُبرِز الكاتب أن القاهرة مستمرة في حرصها على الوصول إلى حلول قاطعة لإيقاف الحرب التي وقعت بين مؤسسات الدولة والأطراف الطارئة عليها في سياق معين، وتحرص القاهرة على حقن الدماء، وفتح ممرات إنسانية لتقديم المساعدات الإغاثية والطبية، فضلًا عن الحفاظ على سلامة وسيادة الأراضي السودانية وعودة الدولة الوطنية إلى ممارسة مهامها ومسؤولياتها تجاه شعبها، وإغلاق الباب أمام أية محاولات للتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للسودان.
ويشدد على أن هذه التحركات تؤكد الإدراك الكامل والمبكر من جانب القاهرة، للأخطار التي سوف تترتب على إطالة أمد الحرب وتأثيراتها الكارثية في الداخل السوداني من ناحية، وعلى دول الجوار من ناحية أخرى، ومن ثم، فإن خطاب القاهرة منذ اللحظة الأولى يرتكز على ثوابت رئيسية ووطنية، تهدف إلى الحفاظ على الأمن القومي السوداني والعربي والإفريقي، والدعوة إلى الحوار السياسي وإسكات صوت البنادق، والجلوس إلى الطاولة من أجل الحفاظ على الثوابت الوطنية، فضلًا عن التحذير من الانزلاقات نحو أفخاخ مصنوعة من بعض القوى الإقليمية والدولية، لا سيما أن آثار ما يسمى "الربيع العربي"، لا زال تلاحق المنطقة والإقليم العربي.

ح م ز
/أ ش أ/