قنا في ١٠ سبتمبر / أ ش أ /تقرير: وائل ممتاز

نجحت حرفة الفركة التراثية القناوية ، التي تعود أصولها إلى العصر الفرعوني وتستخدم في صناعة أثواب الملوك والكهنة من الكتان والحريرعبر هياكل النول الخشبي ، في غزو الأسواق العالمية في عهد الجمهورية الجديدة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعدما كانت تنتشر فقط في الأسواق المصرية والإفريقية ، وذلك عقب خطة تطوير عمل تكتل " الفركة " بتكلفة إجمالية بلغت ١٦٢ مليونا و٧٧٧ ألفا و٧٢٣ جنيها ، منها ١٥٧مليونا و٩٤٥ ألف جنيه لتطوير البنية التحتية، و٤ ملايين و ٨٣٢ ألفا و ٧٢٣ جنيها لباقي محاور العمل، والتي تشتهر بها قرى مركزي نقادة والقرنة في محافظتي قنا والأقصر .
وتحترف السيدات والرجال تلك الصنعة اليدوية التي كانت تستخدم في العصور الفرعونية لتصنيع أكفان الموتي وملابس الملوك والكهنة، واكتشف ذلك أثناء التنقيب الأثري عام 1907، عندما عثر على حجرة أعدت لنسج الخيوط بنول الحفرة المستخدم حاليا في نقادة.
والخيوط المستخدمة في صناعة قطع الفركة هي خيوط الحرير والكتان والفبران ، والتي مازالت تتم عبر الطرق التقليدية البسيطة بشكل يدوي من خلال هياكل النول الخشبي لدمج خيوط الحرير، وتطلق عليها سيدات الصعيد "مهنة الستر" لأنها كانت تسد احتياجاتهنّ من الأموال، لتنتشر منتجات الفركة في الأسواق العالمية الآن متمثلة في "الشيلان" و"العبايات" و"المفارش" وغيرها من المنتجات الآخرى بألوان ورسومات شتى .
جاء انتشار "الفركة" عالميا مؤخرا بعدما كانت تنتشر في الأسواق الإفريقية فقط ، خاصة وأنها كانت عنصرا أساسىيا في جهاز العروسة السودانية التي كانت تتباهى بها في جهازها، حيث كانت القوافل التجارية تحمل آلاف قطع الفركة لنقلها من نقادة الى السودان، ما أوجد الكثير من علاقات النسب والمصاهرة بين أهالي نقادة وأهالي السودان، لتنجح مصر بعد ذلك في الترويج للحرفة تدريجيا حتى غزت السوق الأوروبي، وذلك أدى إلى الحفاظ على الحرفة من الإندثار .
وعن "الفركة" .. يقول محافظ قنا الدكتور خالد عبد الحليم ـ لوكالة أنباء الشرق الأوسط ـ إنه في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي شهدت حرفة " الفركة " تطورا كبيرا بتكلفة إجمالية تجاوزت ١٦٢ مليون جنيه، منها تطوير البنية التحتية ، بجانب تطوير صناعة الأنوال لعمل "الشيلان" و"المفارش"، حتى أصبحت حرفة الفركة ديكورا تراثيا عصريا، وإلى جانب ذلك تم التعاون مع جهاز تنمية المشروعات لدعم أصحاب الحرفة عن طريق القروض الميسرة ، والاستفادة من المنصات الإلكترونية لبيع المنتجات عبر الأونلاين لجميع دول العالم .
وأضاف المحافظ ، أنه من ضمن وسائل تطوير الحرفة أيضا تم تنظيم ورش عمل مكبرة للتدريب على تصميمات جديدة بالاستعانة بالرموز والرسومات المنحوتة على جدران معبد "دندرة" ، والذي يوجد على بعد حوالي 5 كيلومترات شمال غرب مدينة قنا ، والتسويق للمنتج محليا ، وعربيا وعالميا، والمشاركة في مختلف المعارض منها معرض "تراثنا" ، والمعرض السياحي بالغردقة ، ومعرض "دندرة" ، ومعرض "ديارنا" بالأقصر ، ومعرض "أيادي مصر" بأسوان، بالاشتراك مع منصة أيادي مصر لتسويق وترويج منتجات الفركة، فضلا عن تنظيم العديد من الندوات، وتابع : " فضلا عن تنويع مصادر التمويل من خلال إشراك البنوك لتمويل أعضاء تكتل الفركة، والعمل على حساب تكاليف المنتج ثم تسعيره وتصديره إلى بعض دول الخليج كالسعودية وعمان، إلى جانب ذلك يتم التدريب على إنشاء مكتبة إلكترونية وقاعدة بيانات للحرفة" .
من جانبه، قال نائب مدير برنامج التنمية الزراعية بالمؤسسة المصرية للتنمية المتكاملة (النداء) علي ماهر، إن الفركة حرفة عصية على الإندثار وخالدة على مر الزمان، ومتوارثة بمركز نقادة جيلا بعد جيل منذ عصر الفراعنة، حيث مدينة "القرنة" التي تقع على بعد 20 كيلومترا من مدينة نقادة، والتي خرج منها أول سيدة ةحكمت العالم، وهي الملكة حتشبسوت ، ومن قرى نقادة خرج أول منتج منسوج للعالم من حرفة الفركة وأول نول بالتاريخ، ورغم تأثر "الفركة" بالكثير من العواصف إلا أنها ظلت باقية على مر العصور .
وأضاف ماهر أن مؤسسة "النداء" عملت على استعادة المجد للحرفة مرة آخرى من خلال انتاج الفركة من الحرير، والذي توقف منذ سنين، حيث تم تدريب الفتيات على ذلك وتم تطوير الأنوال المتوارثة قديما، فيما يجري حاليا انتاج تصميمات مختلفة ومقاسات مختلفة من الفركة تتماشى مع الحداثة بأسواق الملابس، موضحا أن مجمع "النداء" يضم جميع مراحل صناعة الفركة بداية من تسدية الخيوط وصولا لمرحلة العمل على النول وخروج المنتج النهائي، حيث يتم صناعة المنتجات من الكتان والقطن والحرير، وفي حالة منتجات الحرير يتم انتاج جميع المراحل بداية من تربية ديدان القز وانتاج الحرير وصولا إلى مرحلة استخدام خيوط الحرير فى انتاج المنسوجات الحريرية من الفركة .
من ناحيته ، قال أحمد سليمان محمد، صاحب ورشة لإنتاج الفركة بقرية الخطارة بمركز نقادة، ويعمل نساجا على النول، إنه يعمل في حرفة الفركة منذ أن كان عمره ثماني سنوات، وكان يجلس على النول لساعات طويلة من أجل إنجاز قطعة فريدة من الفركة النقادية الشهيرة .
وأضاف سليمان ـ وهو أقدم صانع للفركة ـ أن هذه الحرفة تتطلب مهارة كبيرة، ودقة عالية، فحال وقوع خطأ ولو بسيط، من الممكن أن يؤدي إلى تلف النسيج كله، وإهدار ما تم إنجازه طوال ساعات، فلذلك يجب على الحرفي أن يفرغ ذهنه أثناء العلم للحصول على قطعة فنية متقنة من النسيج على النول .
وتابع سليمان أن الأدوات التي يتم استخدامها لصناعة الفركة تشمل جهاز النول الخشبي، والذي يعود إلى عصر الفراعنة، وهذا جهاز قابل للفك والتركيب، وبعدها يتم استخدام الخيوط المتنوعة من بينها الحرير والكتان والقطن المصري والصوف، وغيرها من الخامات التي تستخدم في النسيج، موضحا أن أنواع الفركة متعددة، ورسوماتها مختلفة، وتتنوع وفق ذوق المستخدم، أو من الممكن أن يضفي الصانع أو الحرفي لمساته الماهرة على القطعة ، ما يجعلها محل إعجاب للجميع، خاصة وأنها شهدت تنوعًا ملحوظًا طوال السنوات الماضية، لتناسب العصر الحديث .
بدوره، قال سعيد هاشم، صانع فركة، إن هناك حالة من العشق جمعته مع آلة النول، ما جعله يمارس المهنة من منذ طفولته وحتى الآن، مضيفا أن الإقبال على شراء الفركة التي يتم إنتاجها في نقادة كبير جدًا، بسبب شهرتها الواسعة على المستوى المحلي وأيضا الدولي، وهناك العديد من الأسر في نقادة تعتبر صناعة الفركة من أحد مصادر الدخل الرئيسي لها، في ظل الإهتمام الملحوظ في الآونة الأخيرة من الدولة لتنمية تلك الصناعة التراثية القديمة .
من جهتها ، أوضحت إيمان تقي عبدالقادر ،صانعة فركة، قائلة : " إنني تعلمت صناعة الفركة منذ الطفولة، وفيما بعد تحولت تلك المهارة إلى مصدر دخل للمساعدة في الإنفاق على ابنائي" ، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن السائحين يفضلون الفركة النقادية المصنوعة من الفبران، والتي تشعرهم بالدفء، بالإضافة إلى القطع المصنوعة من الكتان، التي تشهد رواجًا في فصل الصيف .

م ح ا/ط ق
أ ش أ