تونس في 23 يونيو /أ ش أ/ من.. حسنة مدحت
في بداية القرن السابع عشر، أمر فيليب الثالث ملك إسبانيا بعد إعادة سيطرة الأسبان على الحكم بتهجير كل "الموريسكيين"، وهم من رفضوا اعتناق المسيحية، ومنهم المهندس محمد تاغرينو، وسكنوا شمال إفريقيا وعاش كثير منهم في مدينة "تستور" التونسية في ولاية باجة شمال غربي العاصمة تونس، إلا أنهم ظلوا يحتفظون بمفاتيح منازلهم في الأندلس على أمل العودة، وبلغ عدد الوافدين منهم إلى تونس أكثر من 80 ألف مهاجر.
واستقر الأندلسيون في مدينة "تستور" التونسية، وقاموا ببناء المسجد الكبير عام 1630م التي تزينه ساعة فريدة من نوعها تعد الوحيدة في العالم التي تدور عقاربها عكس الساعات العادية، أي أنها تدور من اليمين إلى اليسار، رغم أنها تعتمد ترتيب الأرقام نفسه للساعات المألوفة.
وقال رابح العكاز رئيس جمعية المحافظة على الساعة الأندلسية بتستور، لموفدة وكالة أنباء الشرق الأوسط إلى تونس، "إن ساعة تستور هي الوحيدة في العالم الإسلامي التي تتوسط المأذنة التي أنشئت عام 1800، مما يمثل عنصرا فريدا وتميزا للمعمار الأندلسي - التونسي، كما يمثل تجديدا في التعاطي مع قياس الزمن في المساجد وعدم الاكتفاء بالساعات الشمسية المنتشرة في هذا الوقت".
وأشار إلى اختلاف الآراء حول دوران عقارب "ساعة تستور" العكسية، حيث رأى البعض أنها تعطي طابعا عربيا من منطلق أن الطواف حول الكعبة الشريفة يتم من اليمين إلى اليسار، كما أن الكتابة العربية تتم من اليمين إلى اليسار، فيما رأى آخرون أن عقارب الساعة كانت متجهة إلى الأندلس وفي مسار دوران الدم في جسم الإنسان، تعبيرا من المهندس الأندلسي الذي أعدها محمد تغرينو على حبه وحنينه إلى بلده الذي هجره قسرا، مرجحا أنه منذ ثلاثة قرون كانت الساعات قديما تدور بالعكس، مثل الساعة الشمسية.
وأوضح أن هناك أربع ساعات أخرى في العالم، اثنان منها في مدينة براغ التشكية (بالأرقام العبرية والإنجليزية)، والثالثة في ألمانيا، والرابعة في إيطاليا، لافتا إلى توقف "ساعة تستور" لقرون عدة عن العمل إلى أن فقدت عقاربها.
ونوه بأنه عمل مع صديقه الدكتور عبد الحليم الكوندي على إيجاد حل لإعادة الحياة للساعة الجدارية ذات الماكينة التي تعمل يدويا، إيمانا منهما بأنه لا يوجد أي عذر لبقائها معطلة على النحو الذي كانت عليه، وكأنه "لم يرد لعقارب الزمن أن تتوقف في تستور فكان له ما أراد"، مبينا أنه تم عمل دراسة تقنية لإعادة تشغيل هذه الساعة الفريدة وإعداد كراسة شروط التي أظهرت إجمالي تكلفة إعادتها للحياة بثمانية آلاف دينار حينها، وتم إدراجها ضمن مشروع حول كيفية استغلال المواقع الآثرية وخلق فرص عمل برعاية معهد "جوته" الألماني بالتعاون مع وزارة الثقافة التونسية.
وأضاف أنه تم عقد مؤتمر صحفي في ديسمبر عام 2013 للإعلان عن مشروع لإعادة تشغيل الساعة من جديد بمشاركة الوزارات والإعلاميين والمثقفين، وهو ما تم الترحيب به بشكل كبير في الوسط الإعلامي، كما نوه بأنه تم جمع تبرعات في أغسطس 2014، وتم الاتفاق مع شركة فرنسية (مقرها تونس) لشراء الماكينة التي بلغ ثمنها 10 آلاف دينار، وتم رفع المقاسات من حيث طول العقارب.
وتابع: "وفي 20 نوفمبر 2014 وبالتعاون مع جمعية صيانة مدينة تستور"، تم تدشين إعادة تشغيل الرمز الأندلسي وإعادة عقاربها إلى الدوران، حيث شهد ت المدينة خلال تلك الفترة ارتفاعا في نسبة السياحة الداخلية والخارجية مع بداية جني الزيتون المشهورة به المنطقة، ومهرجان الرمان".
وحول خصوصية ساعة تستور التقنية، قال رئيس جمعية المحافظة على الساعة الأندلسية بتستور "إن هذه الساعة تتحمل 130 كيلومترا في سرعة الرياح دون تأثر عقاربها، وتعمل ثمانية أيام دون كهرباء، بالإضافة إلى تحديد المواقع بخاصية (جي بي إس)، لأنها مربوطة بالأقمار الصناعية، كما تصحح التوقيت بنفسها، ولا تتأثر عقاربها من ارتفاع درجات الحرارة".
وفيما يتعلق بالنجمة الموجودة أسفل الساعة، أوضح رئيس الجمعية أنها عبارة عن شكل هندسي زخرفي، كما يوجد شكل النجمة هذه ضمن زخارف جامع الزيتونة، وعقبة بن نافع، ويطلق عليها المشايخ نجمة عشتار.
وعن مميزات الجامع الكبير، قال رئيس الجمعية "إن هذا الجامع بناء إيكولوجي بنسبة 100%، حيث تم إعداد المقاسات الخاصة بأبعاده التي أظهرت مهارات الأندلسيين في الصوتيات التي تؤدي إلى انعكاس الصوت وتعادل المكبرات الصوتية"، مشيرا إلى أن المنبر يوجد به شئ مثل القطار يخرج من المحراب يوم الجمعة ويصعد به الإمام لإلقاء الخطبة على المنبر، ثم يعود إلى مكانه مرة أخرى.
وأضاف أن الجامع الكبير تم بناؤه على أسس أنقاض رومانية، ويتكون بيت الصلاة فيه من 48 سارية عربية مختلفة تم جمعها من إنقاض رومانية أيضا قريبة من مدينة تستور، كما بٌني السقف على طابقين، واحد مكسو بالقباب والثاني تهوئة بين القباب، أما السقف الخشبي يركب عليه القرميد (هو خلطة من الطين والماء ومخلفات حيوانية)، والتي تستخدم لتبريد الهواء في تصميم فريد، وأبوابه جميعها بأقفال خشبية.
كما أشار إلى وجود (ماجل)، وهو عبارة عن منشأة لتخزين مياه الأمطار تتكون من حفرة تتسع في الأسفل وتضيق تدريجيا نحو الأعلى، فهو شكل مشابه لشكل القارورة، وهو بنفس مقياس صحن المسجد، وبه مياه عزبة للشرب والوضوء، كما يوجد بجانبه الساعة الشمسية.
وأوضح أن المأذنة الفريدة من نوعها في العالم العربي والإسلامي تستخدم كبوصلة، وتم بناؤها في 100 عام، حيث تتكون من جزأين، الأسفل مربع ومكسي بالأحجار والطين، والعلوي على شكل مثمن ومرصع بالخزف المكون من الأصفر والأسود والأخضر.
وشدد على أن ساعة تستور تعد من أبرز علامات المدينة المعمارية والجمالية التي تعد الدرة الأثرية التي ترصع تاج حاضرة "الموريسكيين"، لافتا إلى أنه تم إطلاق مبادرة تسجيل الساعة الأندلسية بتستور بقائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في إطار جمعية "مؤسسة الساعة الأندلسية بتستور" عام 2018.
جدير بالذكر أن المهندس عبد الحليم الكوندى أصدر كتابا حول الساعة الأندلسية بتستور عام 2015 باللغة الفرنسية، وكتابا ثانيا باللغة العربية عام 2017 بعنوان (ساعة تستور الأندلسية.. تدور).. وأخيرا، تم نشر نسخة ثالثة منقحة باللغة الفرنسية في ألمانيا عام 2018، إلى جانب عدة محاضرات للتعريف بهذا المعلم المتميز والفريد بمعرض الكتاب، وبيت الحكمة بقرطاج، والمكتبة الوطنية، ومدينة العلوم بتونس، والكليات ومدارس المهندسين وغيرها.

ح ن ه/ ف ط م
/أ ش أ/