• بريكست
    بريكست


تقرير: هبه الحسيني

بعد مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي نهاية الشهر الماضي، يبدو واضحا أن توسع الاتحاد الأوروبي سيشكل التحدي الأبرز أمام الدول الأوروبية خلال المرحلة المقبلة، لاسيما في ظل اعتماد المفوضية الأوروبية الأسبوع الماضي لشروط جديدة بشأن مفاوضات انضمام الأعضاء الجدد إلى التكتل.
وكانت المفوضية الأوروبية اعتمدت قواعد وشروط جديدة بشأن مفاوضات انضمام أي دولة جديدة إلى الاتحاد الأوروبي، وتضمنت هذه الشروط مقترحا فرنسيا ينص على تعليق مفاوضات الانضمام أو وقفها كليًا، في حال عدم إحراز أي تقدم أو حدوث تراجع في بعض مجالات التفاوض.
ووفقا لذلك يتعين على قادة الاتحاد الأوروبي إجراء نقاش سنوي حول إنجازات الدولة المرشحة، كما يمكن أن يعرض الاتحاد تسريع عملية المفاوضات إذا كان واضحًا بالفعل عند بدء التفاوض أن الدولة المرشحة ستكون قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة على الفور.
وتنطبق هذه القواعد الجديدة على عضوية الدول التي لم تبدأ بعد في عملية المفاوضات، مثل مقدونيا الشمالية وألبانيا، ولا تنطبق على الدول التي مُنحت بالفعل لقب "المرشح للعضوية"، مثل صربيا وتركيا.
في هذا السياق ، أكد المفوض المكلف بسياسة الجوار الأوروبي ومفاوضات التوسع، أوليفر فاريلي، أن الهدف من هذه الشروط الجديدة هو "إعادة تأسيس رؤية موثوق بها للاتحاد الأوروبي تجاه دول غرب البلقان، مؤكدا أن سياسات ضم دول جديدة تمثل "استثمار جغرافي استراتيجي" لإرساء السلام والازدهار في المنطقة.
ورحبت كل من مقدونيا الشمالية وألبانيا بالقواعد الجديدة المقترحة من المفوضية الأوروبية، معربتين عن أملهما في أن تمهد هذه التغييرات الطريق أمامهما للبدء قريبا في مفاوضات انضمامهما إلى الاتحاد..كما رحبت فرنسا بالمقترحات الجديدة معتبرة أنها تمثل "تغيرا مهما وإشارة إيجابية" في طريق توسع التكتل الأوروبي.
وكانت فرنسا قد عارضت في أكتوبر الماضي بدء محادثات قبول ألبانيا ومقدونيا الشمالية في الاتحاد الأوروبي، معتبرة أن عملية التوسيع بشكل عام تحتاج إلى إصلاح، وطالبت بأن تكون شروط الانضمام أكثر "صرامة" وعلى المدى الطويل.
وكان الاتحاد الأوروبي، قد وضع خلال قمة كوبنهاغن عام 1993، مجموعة شروط لقبول عضوية الأعضاء الجدد في التكتّل، ومن أهمها أن تتمتع الدولة المرشحة للانضمام باقتصاد سوق مستقر وأن تكون قادرة على الصمود أمام ضغط المنافسات في السوق الداخلية الأوروبية، وأن تكون قادرة على ضمان استقرار مؤسساتها والحفاظ على الديمقراطية، وأن تتعهد بضمان دولة القانون، إضافة لوجوب استعدادها لتكييف إداراتها وجميع قوانينها مع قانون الاتحاد الأوروبي، ويتم ذلك عبر سلسلة طويلة من المفاوضات بين التكتّل والدولة المرشّحة، وعادة ما تستغرق هذه العملية من خمس إلى عشر سنوات.
ووفقا للمراقبين، تثير قضية انضمام أعضاء جدد إلى الاتحاد الأوروبي جدلا واسعا على الساحة الأوروبية، حيث تتباين أراء الدول الأعضاء حول عملية التوسع ما بين مؤيد ومعارض. فمن ناحية، تزعمت فرنسا الدول المتحفظة على عملية التوسع وانضمت إليها كل من الدنمارك وهولندا.
ويرى هذا الفريق أن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى تعزيز سياساته ومؤسساته الحالية قبل ضم أعضاء جدد إليه، حيث أن عملية التوسع تقدم للأعضاء الجدد ميزات كاملة منذ البداية، دون أي وسيلة لتصحيح السلبيات الراهنة كما أنها تشكل عبئا على الأوروبيين في تحقيق طموحات الدول المنضمة حديثا.
في المقابل ، يؤيد فريق آخر من الدول الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا وإيطاليا، انضمام أعضاء جدد إلى التكتل الأوروبي حيث يرى هذا الفريق أن أوروبا تحتاج إلى ضم دول جديدة تحت مظلتها لضمان الاستقرار والظهور بمظهر الكيان القوي، لاسيما في الوقت الذي تغادر فيه بريطانيا هذا التكتل الأوروبي.
كما ترى هذه الدول أن الموقف الرافض لضم أعضاء جدد يتعارض مع سياسة الاتحاد الأوروبي التوسعية، التي تعد إحدى أدوات السياسة الخارجية الأساسية له، حيث شكل احتمال عضوية الاتحاد الأوروبي حافزاً قوياً بالنسبة إلى كثير من الدول لإجراء إصلاحات بداخلها وحل العديد من النزاعات.
وشدد هذا الفريق على أهمية بدء مفاوضات الانضمام مع دول البلقان، لاسيما أن أمن المنطقة الأوروبية متوقف على استقرار هذه الدول وهو ما يبرز أهمية التنسيق المشترك بينهم للتصدي للتهديدات والمخاطر الناتجة عن التطورات الإقليمية والدولية المتلاحقة.
ويبدو أن قضية انضمام أعضاء جدد إلى الاتحاد الأوروبي ستكون هي التحدي الأبرز أمام الأوروبيين خلال المرحلة المقبلة، لاسيما بعد وقوع "بريكست" وسعي أوروبا للظهور بمظهر "التكتل القوي" الذي يتطلع إلى توسيع عضويته والحفاظ على أمنه وتعزيز نفوذه على الساحة الدولية.